مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٥٣٤
قلنا : قد بينا في تفسير قوله تعالى : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء : ٣١] أن المعلق على الشيء بكلمة (إن) لا يلزم من عدمه عدم ذلك الشيء، فزال هذا السؤال، ومن الناس من قال المعلق على الشيء بكلمة (إن) عدم عند عدم ذلك الشيء، فههنا قال المواخاة بالإسلام بين المسلمين موقوفة على فعل الصلاة والزكاة جميعاً، فإن اللَّه تعالى شرطها في إثبات المواخاة، ومن لم يكن أهلًا لوجوب الزكاة عليه، وجب عليه أن يقر بحكمها، فإذا أقر بهذا الحكم دخل في الشرط الذي به تجب الأخوة، وكان / ابن مسعود يقول رحم اللَّه أبا بكر ما أفقهه في الدين، أراد به ما ذكره أبو بكر في حق مانعي الزكاة، وهو قوله واللَّه لا أفرق بين شيئين جمع اللَّه بينهما بقي في قوله : فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ بحثان : الأول : قوله : فَإِخْوانُكُمْ قال الفراء معناه، فهم إخوانكم بإضمار المبتدأ كقوله تعالى : فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ [الأحزاب : ٥] أي فهم إخوانكم. الثاني : قال أبو حاتم قال أهل البصرة أجمعون الأخوة في النسب والإخوان في الصداقة، وهذا غلط يقال للأصدقاء، وغير الأصدقاء أخوة وإخوان. قال اللَّه تعالى : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات : ١٠] ولم يعن النسب. وقال تعالى : أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ [النور : ٦١] وهذا في النسب. قال ابن عباس : حرمت هذه الآية دماء أهل القبلة.
ثم قال : وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قال صاحب «الكشاف» : وهذا اعتراض وقع بين الكلامين، والمقصود الحث والتحريض على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين، وعلى المحافظة عليها.
ثم قال : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ يقال نكث فلان عهده إذا نقضه بعد أحكامه كما ينكث خيط الصوف بعد إبرامه، ومنه قوله تعالى : مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [النحل : ٩٢] والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف والقسم. وقيل : للحلف يمين، وهو اسم اليد لأنهم كانوا يبسطون أيمانهم إذا حلفوا أو تحالفوا. وقيل : سمي القسم يميناً ليمين البر فيه. فقوله : وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ أي نقضوا عهودهم. وفيه قولان : الأول : وهو قول الأكثرين إن المراد نكثهم لعهد رسول اللَّه صَلَّى اللّه عليه وسلّم، والثاني : أن المراد حمل العهد على الإسلام بعد الإيمان، فيكون المراد ردتهم بعد الإيمان، ولذلك قرأ بعضهم وَإِنْ نَكَثُوا. أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ والأول أولى للقراءة المشهورة، ولأن الآية وردت في ناقضي العهد لأنه تعالى صنفهم صنفين، فإذا ميز منهم من تاب لم يبق إلا من أقام على نقض العهد. وقوله : وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ يقال طعنه بالرمح يطعنه، وطعن بالقول السيء يطعن. قال الليث : وبعضهم يقول : يطعن بالرمح، ويطعن بالقول : فيفرق بينهما، والمعنى أنهم عابوا دينكم، وقدحوا فيه.
ثم قال : فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي متى فعلوا ذلك فافعلوا هذا، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أَئِمَّةَ الْكُفْرِ بهمزة واحدة غير ممدودة وتليين الثانية والباقون بهمزتين على التحقيق. قال الزجاج : الأصل في الأئمة أأمة، لأنها جمع إمام، مثل مثال وأمثلة، لكن الميمين إذا اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية، وألقيت حركتها على الهمزة، فصارت أأمة، فأبدلت من المكسورة الياء لكراهة اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة. هذا هو / الاختيار عند جميع النحويين.
إذا عرفت هذا فنقول : قال صاحب «الكشاف» : لفظة «أئمة» همزة بعدها همزة بين بين، والمراد بين مخرج الهمزة والياء. أما بتحقيق الهمزتين فقراءة مشهورة. وإن لم تكن مقبولة عند البصريين. وأما التصريح


الصفحة التالية
Icon