مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢١٠
العالم، لكان خلقها عبثا وباطلا وغير مفيد، وهذه النصوص تنافي ذلك. واللَّه أعلم.
ثم بين تعالى أنه يفصل الآيات، ومعنى التفصيل هو ذكر هذه الدلائل الباهرة، واحدا عقيب الآخر، فصلا فصلا مع الشرح والبيان. وفي قوله : نفصل قراءتان : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم يُفَصِّلُ بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
ثم قال : لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وفيه قولان : الأول : أن المراد منه العقل الذي يعم الكل. والثاني : أن المراد منه من تفكر وعلم فوائد مخلوقاته وآثار إحسانه، وحجة القول الأول : عموم اللفظ، وحجة القول الثاني : أنه لا يمتنع أن يخص اللّه سبحانه وتعالى العلماء بهذا الذكر، لأنهم هم الذين انتفعوا بهذه الدلائل، فجاء كما في قوله : إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات : ٤٥] مع أنه عليه السلام كان منذرا للكل.
[سورة يونس (١٠) : آية ٦]
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)
اعلم أنه تعالى استدل على التوحيد والإلهيات أولا : بتخليق السموات والأرض، وثانيا : بأحوال الشمس والقمر : وثالثا : في هذه الآية بالمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار، وقد تقدم تفسيره في سورة البقرة في تفسير قوله : إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [البقرة : ١٦٤] ورابعا : بكل ما خلق اللّه في السموات والأرض، وهي أقسام الحوادث الحادثة في هذا العالم، وهي محصورة في أربعة أقسام : أحدها : الأحوال الحادثة في العناصر الأربعة، ويدخل فيها أحوال الرعد والبرق والسحاب والأمطار والثلوج ويدخل فيها أيضا أحوال البحار، وأحوال المد والجزر، وأحوال الصواعق والزلازل والخسف. وثانيها : أحوال المعادن وهي عجيبة كثيرة. وثالثها : اختلاف أحوال النبات. ورابعها : اختلاف أحوال الحيوانات، وجملة هذه الأقسام الأربعة داخلة في قوله تعالى : وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والاستقصاء في شرح هذه الأحوال مما لا يمكن في ألف مجلد، بل كل ما ذكره العقلاء في أحوال أقسام هذا العالم فهو جزء مختصر من هذا الباب.
ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الدلائل قال : لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ فخصها بالمتقين، لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر إلى التدبر والنظر. قال القفال : من تدبر في هذه الأحوال علم أن الدنيا مخلوقة لشقاء الناس فيها، وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم، بل جعلها لهم دار عمل وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي، ثم من ثواب وعقاب، ليتميز المحسن عن المسيء، فهذه الأحوال في الحقيقة دالة على صحة القول بإثبات المبدأ وإثبات المعاد.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧ إلى ٨]
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨)
اعلم أنه تعالى لما أقام الدلائل القاهرة على صحة القول بإثبات الإله الرحيم الحكيم، وعلى صحة القول بالمعاد والحشر والنشر، شرع بعده في شرح أحوال من يكفر بها، وفي شرح أحوال من يؤمن بها فأما شرح أحوال الكافرين فهو المذكور في هذه الآية. واعلم أنه تعالى وصفهم بصفات أربعة :
الصفة الأولى : قوله : إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon