مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٣٥
السؤال الثاني : ما العاطف؟ الجواب : قال الفراء والزجاج : يقال ريح عاصف وعاصفة، وقد عصفت عصوفا وأعصفت، فهي معصف ومعصفة. قال الفراء : والألف لغة بني أسد، ومعنى عصفت الريح اشتدت، وأصل العصف السرعة، يقال : ناقة عاصف وعصوف سريعة، وإنما قيل رِيحٌ عاصِفٌ لأنه يراد ذات عصوف كما قيل : لابن وتامر أو لأجل أن لفظ الريح مذكر.
أما القيد الثاني : فهو قوله : وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر.
أما القيد الثالث : فهو قوله : وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ والمراد أنهم ظنوا القرب من الهلاك، وأصله أن العدو إذا أحاط بقوم أو بلد، فقد دنوا من الهلاك.
السؤال الخامس : ما المراد من الإخلاص في قوله : دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
والجواب : قال ابن عباس : يريد تركوا الشرك، ولم يشركوا به من آلهتهم شيئا، وأقروا للَّه بالربوبية والوحدانية. قال الحسن : دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ الإخلاص الإيمان، لكن لأجل العلم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا اللَّه تعالى، فيكون جاريا مجرى الإيمان الاضطراري. وقال ابن زيد : هؤلاء المشركون يدعون مع اللَّه ما يدعون، فإذا جاء الضر والبلاء لم يدعوا إلا اللَّه وعن أبي عبيدة أن المراد من ذلك الدعاء قولهم أهيا شراهيا تفسيره يا حي يا قيوم.
السؤال السادس : ما الشيء المشار إليه بقوله هذِهِ في قوله : لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ.
والجواب المراد لئن أنجيتنا من هذه الريح العاصفة، وقيل المراد لئن أنجيتنا من هذه الأمواج أو من هذه الشدائد، وهذه الألفاظ وإن لم يسبق ذكرها، إلا أنه سبق ذكر ما يدل عليها.
السؤال السابع : هل يحتاج في هذه الآية إلى إضمار؟
الجواب : نعم، والتقدير : دعوا اللَّه مخلصين له الدين مريدين أن يقولوا لئن أنجيتنا، ويمكن / أن يقال :
لا حاجة إلا الإضمار، لأن قوله : دَعَوُا اللَّهَ يصير مفسرا بقوله : لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
فهم في الحقيقة ما قالوا إلا هذا القول.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا التضرع الكامل بين أنهم بعد الخلاص من تلك البلية والمحنة أقدموا في الحال على البغي في الأرض بغير الحق. قال ابن عباس : يريد به الفساد والتكذيب والجراءة على اللَّه تعالى، ومعنى البغي قصد الاستعلاء بالظلم. قال الزجاج : البغي الترقي في الفساد قال الأصمعي : يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترقى إلى الفساد، وبغت المرأة إذا فجرت، قال الواحدي : أصل هذا اللفظ من الطلب.
فإن قيل : فما معنى قوله : بِغَيْرِ الْحَقِّ والبغي لا يكون بحق؟
قلنا : البغي قد يكون بالحق، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم، كما فعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببني قريظة. ثم إنه تعالى بين أن هذا البغي أمر باطل يجب على العاقل أن يحترز منه فقال : يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الأكثرون متاع برفع العين، وقرأ حفص عن عاصم مَتاعَ بنصب العين، أما الرفع ففيه وجهان : الأول : أن يكون قوله : بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مبتدأ، وقوله : مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا خبرا


الصفحة التالية
Icon