مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٤٤
وإرادته، والمقصود منه أن القوم كانوا يقولون : هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس : ١٨] فبين اللَّه تعالى أنهم لا يشفعون لهؤلاء الكفار، بل يتبرءون منهم، وذلك يدل على نهاية الخزي والنكال في حق هؤلاء الكفار، ونظيره آيات منها قوله تعالى : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة : ١٦٦] ومنها قوله تعالى : ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [سبأ :
٤٠، ٤١].
واعلم أن هذا الكلام يشير على سبيل الرمز إلى دقيقة عقلية، وهي أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته، والممكن لذاته محتاج بحسب ماهيته، والشيء الواحد يمتنع أن يكون قابلا وفاعلا معا، فما سوى الواحد الأحد الحق لا تأثير له في الإيجاد والتكوين، فالممكن المحدث لا يليق به أن يكون معبودا لغيره، بل المعبود الحق ليس إلا الموجد الحق، وذلك ليس إلا الموجود الحق الذي هو واجب الوجود لذاته، فبراءة المعبود من العابدين، يحتمل أن يكون المراد منه ما ذكرناه. واللَّه أعلم بمراده.
المسألة الثانية :(الحشر) الجمع من كل جانب إلى موقف واحد وجَمِيعاً نصب على الحال أي نحشر الكل حال اجتماعهم. ومَكانَكُمْ منصوب بإضمار الزموا والتقدير : الزموا مكانكم وأَنْتُمْ تأكيد للضمير وَشُرَكاؤُكُمْ عطف عليه. واعلم أن قوله : مَكانَكُمْ كلمة مختصة بالتهديد والوعيد والمراد أنه تعالى يقول للعابدين والمعبودين مكانكم أي الزموا مكانكم حتى تسألوا، ونظيره قوله تعالى : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات : ٢٢- ٢٤].
أما قوله : فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففيه بحثان :
البحث الأول : أن هذه الكلمة جاءت على لفظ المضي بعد قوله : ثُمَّ نَقُولُ وهو منتظر، والسبب فيه أن الذي حكم اللَّه فيه، بأن سيكون صار كالكائن الراهن الآن، ونظيره قوله تعالى : وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الأعراف : ٤٤].
البحث الثاني :(زيلنا) فرقنا وميزنا. قال الفراء : قوله : فَزَيَّلْنا ليس من أزلت، إنما هو من زلت إذا فرقت تقول العرب : زلت الضأن من المعز فلم تزل أي ميزتها فلم تتميز، ثم قال الواحدي : فالزيل والتزييل والمزايلة، والتمييز والتفريق. قال الواحدي : وقرئ فزايلنا بينهم وهو مثل فَزَيَّلْنا وحكى الواحدي عن ابن قتيبة أنه قال في هذه الآية : هو من زال يزول وأزلته أنا، ثم حكى عن الأزهري أنه قال : هذا غلط، لأنه لم يميز بين زال يزول، وبين زال يزيل، وبينهما بون بعيد، والقول ما قاله الفراء، ثم قال المفسرون : فَزَيَّلْنا أي فرقنا بين المشركين وبين شركائهم من الآلهة والأصنام، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
وأما قوله : وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ ففيه مباحث :
البحث الأول : إنما أضاف الشركاء إليهم لوجوه : الأول : أنهم جعلوا نصيبا من أموالهم لتلك الأصنام، فصيروها شركاء لأنفسهم في تلك الأموال، فلهذا قال تعالى : وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ الثاني : أنه يكفي في الإضافة أدنى تعلق، فلما كان الكفار هم الذين أثبتوا هذه الشركة، لا جرم حسنت إضافة الشركاء إليهم. الثالث : أنه


الصفحة التالية
Icon