مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٦١
وجواب نُرِيَنَّكَ محذوف، والتقدير : وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نرينك ذلك الموعد فإنك ستراه في الآخرة.
واعلم أن هذا يدل على أنه تعالى يري رسوله أنواعا من ذل الكافرين وخزيهم في الدنيا، وسيزيد عليه بعد وفاته، ولا شك أنه حصل الكثير منه في زمان حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وحصل الكثير أيضا بعد وفاته، والذي سيحصل يوم القيامة أكثر، وهو تنبيه على أن عاقبة المحقين محمودة وعاقبة المذنبين مذمومة.
[سورة يونس (١٠) : آية ٤٧]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)
اعلم أنه تعالى لما بين حال محمد صلى اللَّه عليه وسلم مع قومه، بين أن حال كل الأنبياء مع أقوامهم كذلك، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : هذه الآية تدل على أن كل جماعة ممن تقدم قد بعث اللَّه إليهم رسولا واللَّه تعالى ما أهمل أمة من الأمم قط، ويتأكد هذا بقوله تعالى : وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر : ٢٤].
فإن قيل : كيف يصح هذا مع ما يعلمه من أحوال الفترة ومع قوله سبحانه : لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ [يس : ٦].
قلنا : الدليل الذي ذكرناه لا يوجب أن يكون الرسول حاضرا مع القوم، لأن تقدم الرسول لا يمنع من كونه رسولا إليهم، كما لا يمنع تقدم رسولنا من كونه مبعوثا إلينا إلى آخر الأبد وتحمل الفترة على ضعف دعوة الأنبياء ووقوع موجبات التخليط فيها.
المسألة الثانية : في الكلام إضمار والتقدير : فإذا جاء رسولهم وبلغ فكذبه قوم وصدقه آخرون قضى بينهم أي حكم وفصل.
المسألة الثالثة : المراد من الآية أحد أمرين : إما بيان أن الرسول إذا بعث إلى كل أمة فإنه بالتبليغ وإقامة الحجة يزيح كل علة فلا يبقى لهم عذر في مخالفته أو تكذيبه، فيدل ذلك على أن ما يجري عليهم من العذاب في الآخرة يكون عدلا ولا يكون ظلما، لأنهم من قبل أنفسهم وقعوا في ذلك العقاب، أو يكون المراد أن القوم إذا اجتمعوا في الآخرة جمع اللَّه بينهم وبين رسولهم في وقت المحاسبة، وبأن الفصل بين المطيع والعاصي ليشهد عليهم بما شاهد منهم، وليقع منهم الاعتراف بأنه بلغ رسالات ربه فيكون ذلك من جملة ما يؤكد اللَّه به الزجر في الدنيا كالمساءلة، وإنطاق الجوارح، والشهادة عليهم بأعمالهم والموازين وغيرها، وتمام التقرير على هذا الوجه الثاني أنه تعالى ذكر في الآية الأولى أن اللَّه شهيد عليهم، فكأنه تعالى يقول : أنا شهيد عليهم وعلى أعمالهم يوم القيامة، ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة مع كل قوم رسولهم، حتى يشهد عليهم بتلك الأعمال والمراد منه المبالغة في إظهار العدل.
واعلم أن دليل القول الأول هو قوله تعالى : وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء : ١٥] وقوله :
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء : ١٦٥] وقوله : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا [طه : ١٣٤] ودليل القول الثاني قوله تعالى :
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً إلى قوله : وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة : ١٤٣] وقوله : وَقالَ


الصفحة التالية
Icon