مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٦٤
مع أنكم كنتم قبل ذلك به تستعجلون على سبيل السخرية والاستهزاء، وقرئ آلان بحذف الهمزة التي بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام.
وأما قوله : ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ فهو عطف على الفعل المضمر قبل آلْآنَ والتقدير : قيل : آلان وقد كنتم به تستعجلون ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد.
وأما قوله تعالى : هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ففيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى أينما ذكر العقاب والعذاب ذكر هذه العلة كأن سائلا يسأل يقول : يا رب العزة أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا التشديد والوعيد،
فهو تعالى يقول :«أنا ما عاملته بهذه المعاملة ابتداء بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل»
وذلك يدل على أن جانب الرحمة راجح غالب، وجانب العذاب مرجوح مغلوب.
المسألة الثانية : ظاهر الآية يدل على أن الجزاء يوجب العمل، أما عند الفلاسفة فهو أثر العمل، لأن العمل الصالح يوجب تنوير القلب، وإشراقه إيجاب العلة معلولها وأما عند المعتزلة فلأن العمل الصالح يوجب استحقاق الثواب على اللَّه تعالى وأما عند أهل السنة، فلأن ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.
المسألة الثالثة : الآية تدل على كون العبد مكتسبا خلافا للجبرية، وعندنا أن كونه مكتسبا معناه أن مجموع القدرة مع الداعية الخالصة يوجب الفعل والمسألة الطويلة معروفة بدلائلها.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٣ إلى ٥٤]
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤)
اعلم أنه سبحانه أخبر عن الكفار بقوله : وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يونس : ٤٨].
وأجاب عنه بما تقدم فحكى عنهم أنهم رجعوا إلى الرسول مرة أخرى في عين هذه الواقعة وسألوه عن ذلك السؤال مرة أخرى وقالوا : أَحَقٌّ هُوَ واعلم أن هذا السؤال جهل محض من وجوه : أولها : أنه قد تقدم هذا السؤال مع الجواب فلا يكون في الإعادة فائدة. وثانيها : أنه تقدم ذكر الدلالة العقلية على كون محمد رسولا من عند اللَّه، وهو بيان كون القرآن معجزا، وإذا صحت نبوته لزم القطع بصحة كل ما يخبر عن وقوعه، فهذه المعاني توجب الإعراض عنهم، / وترك الالتفات إلى سؤالهم، واختلفوا في الضمير في قوله : أَحَقٌّ هُوَ قيل : أحق ما جئتنا به من القرآن والنبوة والشرائع. وقيل : ما تعدنا من البعث والقيامة. وقيل : ما تعدنا من نزول العذاب علينا في الدنيا.
ثم إنه تعالى أمره أن يجيبهم بقوله : قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ والفائدة فيه أمور : أحدها : أن يستمليهم ويتكلم معهم بالكلامالمعتاد ومن الظاهر أن من أخبر عن شيء، وأكده بالقسم فقد أخرجه عن الهزل وأدخله في باب الجد. وثانيها : أن الناس طبقات فمنهم من لا يقر بالشيء إلا بالبرهان الحقيقي، ومنهم من لا ينتفع بالبرهان الحقيقي، بل ينتفع بالأشياء الإقناعية، نحو القسم فإن الأعرابي الذي جاء الرسول عليه السلام، وسأل عن نبوته ورسالته اكتفى في تحقيق تلك الدعوى بالقسم، فكذا هاهنا.


الصفحة التالية
Icon