مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٨٠
بل يقال خاطب من ظنه زيدا. الثاني : ان (ما) استفهام، كأنه قيل : أي شيء يتبع الذين يدعون من دون اللَّه شركاء، والمقصود تقبيح فعلهم يعني أنهم ليسوا على شيء.
ثم قال تعالى : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ والمعنى أنهم إنما اتبعوا ظنونهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة، ثم بين أن هذا الظن لا حكم له وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ وذكرنا معنى الخرص في سورة الأنعام عند قوله : إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام : ١١٦].
[سورة يونس (١٠) : آية ٦٧]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)
اعلم أنه تعالى لما ذكر قوله : إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [يونس : ٦٥] احتج عليه بهذه الآية، والمعنى أنه تعالى جعل الليل ليزول التعب والكلال بالسكون فيه، وجعل النهار مبصرا أي مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم بالأبصار، والمبصر الذي يبصر، والنهار يبصر فيه، وإنما جعله مبصرا على طريق نقل الاسم من السبب إلى المسبب.
فإن قيل : إن قوله : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ يدل على أنه تعالى ما خلقه إلا لهذا الوجه، وقوله : إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ يدل على أنه تعالى أراد بتخليق الليل والنهار أنواعا كثيرة من الدلائل.
قلنا : إن قوله تعالى : لِتَسْكُنُوا لا يدل على أنه لا حكمة فيه إلا ذلك، بل ذلك يقتضي حصول تلك الحكمة.
أما قوله تعالى : إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ فالمراد يتدبرون ما يسمعون ويعتبرون به.
[سورة يونس (١٠) : آية ٦٨]
قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨)
اعلم أن هذا نوع آخر من الأباطيل التي حكاها اللَّه تعالى عن الكفار وهي قولهم : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ويحتمل أن يكون المراد حكاية قول من يقول : الملائكة بنات اللَّه، ويحتمل أن يكون المراد قول من يقول :
الأوثان أولاد اللَّه، ويحتمل أن يكون قد كان فيهم قوم من النصارى قالوا ذلك ثم إنه تعالى لما استنكر هذا القول قال بعده : هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.
واعلم أن كونه تعالى غنيا مالكا لكل ما في السموات والأرض يدل على أنه يستحيل أن يكون له ولد، وبيان ذلك من وجوه : الأول : أنه سبحانه غني مطلقا على ما في هذه الآية، والعقل أيضا يدل عليه، لأنه لو كان محتاجا لافتقر إلى صانع آخر، وهو محال وكل من كان غنيا فإنه لا بد أن يكون فردا منزها عن الأجزاء والأبعاض، وكل من كان كذلك امتنع أن ينفصل عنه جزء من أجزائه، والولد عبارة عن أن ينفصل جزء من أجزاء الإنسان، ثم يتولد عن ذلك الجزء مثله، وإذا كان هذا محالا ثبت أن كونه تعالى غنيا يمنع ثبوت الولد له.
الحجة الثانية : أنه تعالى غني وكل من كان غنيا كان قديما أزليا باقيا سرمديا، وكل من كان كذلك، امتنع


الصفحة التالية
Icon