مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٢٨٩
بمعنى قلة العدد. الثاني : قال بعضهم : المراد أولاد من دعاهم، لأن الآباء استمروا على الكفر، إما لأن قلوب الأولاد ألين أو دواعيهم على الثبات على الكفر أخف. الثالث : أن الذرية قوم كان آباؤهم من قوم فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل. الرابع : الذرية من آل فرعون آسية امرأة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وماشطتها.
وأما الضمير في قوله : مِنْ قَوْمِهِ فقد اختلفوا أن المراد من قوم موسى أو من قوم فرعون، لأن ذكرهما جميعا قد تقدم والأظهر أنه عائد إلى موسى، لأنه أقرب المذكورين ولأنه نقل أن الذين آمنوا به كانوا من بني إسرائيل.
أما قوله : عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ففيه أبحاث :
البحث الأول : أن أولئك الذين آمنوا بموسى كانوا خائفين من فرعون جدا، لأنه كان شديد البطش وكان قد أظهر العداوة مع موسى، فإذا علم ميل القوم إلى موسى كان يبالغ في إيذائهم، فلهذا السبب كانوا خائفين منه.
البحث الثاني : إنما قال : وَمَلَائِهِمْ مع أن فرعون واحد لوجوه : الأول : أنه قد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع، والمراد التعظيم قال اللَّه تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر : ٩] الثاني : أن المراد بفرعون آل فرعون. الثالث : أن هذا من باب حذف المضاف كأنه أريد بفرعون آل فرعون.
ثم قال : أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يصرفهم عن دينهم بتسليط أنواع البلاء عليهم.
ثم قال : وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ أي لغالب فيها قاهر وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ قيل : المراد أنه كثير القتل كثير التعذيب لمن يخالفه في أمر من الأمور، والغرض منه بيان السبب في كون أولئك المؤمنين خائفين، وقيل : إنما كان مسرفا لأنه كان من أخس العبيد فادعى الإلهية.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٤ إلى ٨٦]
وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أن قوله : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ جزاء معلق على شرطين :
أحدهما متقدم والآخر متأخر، والفقهاء قالوا : المتأخر يجب أن يكون متقدما والمتقدم يجب أن يكون متأخرا ومثاله أن يقول الرجل لامرأته : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا وإنما كان الأمر كذلك، لأن مجموع قوله : إن دخلت الدار فأنت طالق، صار مشروطا بقوله إن كلمت زيدا، والمشروط متأخر عن الشرط، وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في المعنى، وأن يكون المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى والتقدير : كأنه يقول لامرأته حال ما كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق، فلو حصل هذا التعليق قبل إن كلمت زيدا لم يقع الطلاق.
إذا عرفت هذا فنقول : قوله : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطا لأن يصيروا مخاطبين بقوله : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا فكأنه / تعالى يقول للمسلم حال إسلامه إن كنت من المؤمنين باللَّه فعلى اللَّه توكل، والأمر كذلك، لأن الإسلام عبارة عن الاستسلام، وهو إشارة إلى الانقياد للتكاليف الصادرة عن اللَّه تعالى وإظهار الخضوع وترك التمرد، وأما الإيمان فهو عبارة عن صيرورة القلب عارفا بأن واجب الوجود لذاته واحد وأن ما سواه محدث مخلوق تحت تدبيره وقهره وتصرفه، وإذا حصلت


الصفحة التالية
Icon