مفاتيح الغيب، ج ١٧، ص : ٣٢٩
[سورة هود (١١) : آية ١٧]
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١٧)
اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها ظاهر والتقدير : أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار، إلا أنه حذف الجواب لظهوره ومثله في القرآن كثير كقوله تعالى : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ [فاطر : ٨] وقوله : أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزمر : ٩] وقوله : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر : ٩].
واعلم أن أول هذه الآية مشتمل على ألفاظ أربعة كل واحد مجمل. فالأول : أن هذا الذي / وصفه اللَّه تعالى بأنه على بينة من ربه من هو. والثاني : أنه ما المراد بهذه البينة. والثالث : أن المراد بقوله : يَتْلُوهُ القرآن أو كونه حاصلا عقيب غيره. والرابع : أن هذا الشاهد ما هو؟ فهذه الألفاظ الأربعة مجملة فلهذا كثر اختلاف المفسرين في هذه الآية.
أما الأول : وهو أن هذا الذي وصفه اللَّه تعالى بأنه على بينة من ربه من هو؟ فقيل : المراد به النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل : المراد به من آمن من اليهود كعبد اللَّه بن سلام وغيره، وهو الأظهر لقوله تعالى في آخر الآية : أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وهذا صيغة جمع، فلا يجوز رجوعه إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلم، والمراد بالبينة هو البيان والبرهان الذي عرف به صحة الدين الحق والضمير في يَتْلُوهُ يرجع إلى معنى البينة، وهو البيان والبرهان والمراد بالشاهد هو القرآن، ومنه أي من اللَّه ومن قبله كتاب موسى، أي ويتلو ذلك البرهان من قبل مجيء القرآن كتاب موسى.
واعلم أن كون كتاب موسى تابعا للقرآن ليس في الوجود بل في دلالته على هذا المطلوب وإِماماً نصب على الحال، فالحاصل أنه يقول اجتمع في تقرير صحة هذا الدين أمور ثلاثة أولها : دلالة البينات العقلية على صحته. وثانيها : شهادة القرآن بصحته. وثالثها : شهادة التوراة بصحته، فعند اجتماع هذه الثلاثة لا يبقى في صحته شك ولا ارتياب، فهذا القول أحسن الأقاويل في هذه الآية وأقربها إلى مطابقة اللفظ وفيها أقوال أخر.
فالقول الأول : أن الذي وصفه اللَّه تعالى بأنه على بينة من ربه هو محمد عليه السلام والبينة هو القرآن، والمراد بقوله : يَتْلُوهُ هو التلاوة بمعنى القراءة وعلى هذا التقدير فذكروا في تفسير الشاهد وجوها : أحدها :
أنه جبريل عليه السلام، والمعنى : أن جبريل عليه السلام يقرأ القرآن على محمد عليه السلام. وثانيها : أن ذلك الشاهد هو لسان محمد عليه السلام وهو قول الحسن ورواية عن محمد بن الحنفية عن علي رضي اللَّه عنهما قال : قلت لأبي أنت التالي قال : وما معنى التالي قلت قوله : وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم
ولما كان الإنسان إنما يقرأ القرآن ويتلوه بلسانه لا جرم جعل اللسان تاليا على سبيل المجاز كما يقال : عين باصرة وأذن سامعة ولسان ناطق. وثالثها : أن المراد هو علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه،


الصفحة التالية
Icon