مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٢٢
إخوته أن يهلكوه، وكيف قال لإخوته وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، مع علمه بأن اللَّه سبحانه سيجتبيه ويجعله رسولا، فأما إذا قلنا إنه عليه السلام ما كان عالما بصحة هذه الأحوال، فكيف قطع بها؟ وكيف حكم بوقوعها حكما جازما من غير تردد؟
قلنا : لا يبعد أن يكون قوله : وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ مشروطا بأن لا يكيدوه، لأن ذكر ذلك قد تقدم، وأيضا فبتقدير أن يقال : إنه عليه السلام كان قاطعا بأن يوسف عليه السلام سيصل إلى هذه المناصب إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ثم يتخلص منها ويصل إلى تلك المناصب فكان خوفه لهذا السبب ويكون معنى قوله : وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف : ١٣] الزجر عن التهاون في حفظه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٧ إلى ٨]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨)
[في قوله تعالى لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ ] في هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى : ذكر صاحب «الكشاف» أسماء إخوة يوسف : يهوذا، روبيل، شمعون لاوي، ربالون، يشجر، دينة، دان، نفتالي، جاد، آشر. ثم قال : السبعة الأولون من ليا بنت / خالة يعقوب والأربعة الآخرون من سريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت ليا تزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف.
المسألة الثانية : قوله : آياتٌ لِلسَّائِلِينَ قرأ ابن كثير آية بغير ألف حمله على شأن يوسف والباقون آياتٌ على الجمع لأن أمور يوسف كانت كثيرة وكل واحد منها آية بنفسه.
المسألة الثالثة : ذكروا في تفسير قوله تعالى : آياتٌ لِلسَّائِلِينَ وجوها : الأول : قال ابن عباس دخل حبر من اليهود على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسمع منه قراءة يوسف فعاد إلى اليهود فأعلمهم أنه سمعها منه كما هي في التوراة، فانطلق نفر منهم فسمعوا كما سمع، فقالوا له من علمك هذه القصة؟ فقال : اللَّه علمني، فنزل : لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ وهذا الوجه عندي بعيد، لأن المفهوم من الآية أن في واقعة يوسف آيات للسائلين وعلى هذا الوجه الذي نقلناه ما كانت الآيات في قصة يوسف، بل كانت الآيات في أخبار محمد صلى اللَّه عليه وسلم عنها من غير سبق تعلم ولا مطالعة وبين الكلامين فرق ظاهر. والثاني : أن أهل مكة أكثرهم كانوا أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام وكانوا ينكرون نبوته ويظهرون العداوة الشديدة معه بسبب الحسد فذكر اللَّه تعالى هذه القصة وبين أن إخوة يوسف بالغوا في إيذائه لأجل الحسد وبالآخرة فإن اللَّه تعالى نصره وقواه وجعلهم تحت يده ورايته، ومثل هذه الواقعة إذا سمعها العاقل كانت زجرا له عن الإقدام على الحسد والثالث : أن يعقوب لما عبر رؤيا يوسف وقع ذلك التعبير ودخل في الوجود بعد ثمانين سنة فكذلك أن اللَّه تعالى لما وعد محمدا عليه الصلاة والسلام بالنصر والظفر على الأعداء، فإذا تأخر ذلك الموعود مدة من الزمان لم يدل ذلك على كون محمد عليه الصلاة والسلام كاذبا فيه فذكر هذه القصة نافع من هذا الوجه. الرابع : أن إخوة يوسف بالغوا في إبطال أمره، ولكن اللَّه تعالى لما وعده بالنصر والظفر كان الأمر كما قدره اللَّه تعالى لا كما سعى فيه الأعداء، فكذلك واقعة محمد صلى اللَّه عليه وسلم فإن اللَّه لما ضمن له إعلاء الدرجة لم يضره سعي الكفار في إبطال أمره. وأما قوله :


الصفحة التالية
Icon