مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٢٦
المسألة الأولى : قال صاحب «الكشاف» : لا تَأْمَنَّا قرئ بإظهار النونين وبالإدغام بإشمام وبغير إشمام، والمعنى لم تخافنا عليه ونحن نحبه ونريد الخير به.
المسألةالثانية : في يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ خمس قراءات :
القراءة الأولى : قرأ ابن كثير : بالنون، وبكسر عين نرتع من الارتعاء، ويلعب بالياء والارتعاء افتعال من رعيت، يقال : رعت الماشية الكلأ ترعاه رعيا إذا أكلته، وقوله : نرتع / الارتعاء للإبل والمواشي، وقد أضافوه إلى أنفسهم، لأن المعنى نرتع إبلنا، ثم نسبوه إلى أنفسهم لأنهم هم السبب في ذلك الرعي، والحاصل أنهم أضافوا الارتعاء والقيام بحفظ المال إلى أنفسهم لأنهم بالغون كاملون وأضافوا اللعب إلى يوسف لصغره.
القراءة الثانية : قرأ نافع : كلاهما بالياء وكسر العين من يرتع أضاف الارتعاء إلى يوسف بمعنى أنه يباشر رعي الإبل ليتدرب بذلك فمرة يرتع ومرة يلعب كفعل الصبيان.
القراءة الثالثة : قرأ أبو عمرو وابن عامر نرتع بالنون وجزم العين ومثله نلعب. قال ابن الأعرابي :
الرتع الأكل بشره، وقيل : إنه الخصب، وقيل : المراد من اللعب الإقدام على المباحات وهذا يوصف به الإنسان، وأما نلعب فروي أنه قيل لأبي عمرو : كيف يقولون نلعب وهم أنبياء؟ فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء، وأيضا جاز أن يكون المراد من اللعب الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر كما
روي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال لجابر :«فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك»
وأيضا كان لعبهم الاستباق، والغرض منه تعلم المحاربة والمقاتلة مع الكفار، والدليل عليه قولهم : إنا ذهبنا نستبق وإنما سموه لعبا لأنه في صورته.
القراءة الرابعة : قرأ أهل الكوفة : كليهما بالياء وسكون العين، ومعناه إسناد الرتع واللعب إلى يوسف عليه السلام.
القراءة الخامسة : يَرْتَعْ بالياء وَنَلْعَبُ بالنون وهذا بعيد، لأنهم إنما سألوا إرسال يوسف معهم ليفرح هو باللعب لا ليفرحوا باللعب، واللَّه أعلم.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٣ إلى ١٤]
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (١٤)
اعلم أنهم لما طلبوا منه أن يرسل يوسف معهم اعتذر إليهم بشيئين : أحدهما : أن ذهابهم به ومفارقتهم إياه مما يحزنه لأنه كان لا يصبر عنه ساعة. والثاني : خوفه عليه من الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم أو لعبهم لقلة اهتمامهم به. قيل : إنه رأى في النوم أن الذئب شد على يوسف، فكان يحذره فمن هذا ذكر ذلك، وكأنه لقنهم الحجة، وفي أمثالهم البلاء موكل بالمنطق. وقيل : الذئاب كانت في أراضيهم كثيرة، وقرئ الذِّئْبُ بالهمز على الأصل وبالتخفيف. وقيل : اشتقاقه من / تذاءبت الريح إذا أتت من كل جهة، فلما ذكر يعقوب عليه السلام هذا الكلام أجابوا بقولهم : لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ وفيه سؤالات :
السؤال الأول : ما فائدة اللام في قوله : لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ.
والجواب من وجهين : الأول : أن كلمة إن تفيد كون الشرط مستلزما للجزاء، أي إن وقعت هذه الواقعة فنحن خاسرون، فهذه اللام دخلت لتأكيد هذا الاستلزام. الثاني : قال صاحب «الكشاف» هذه اللام تدل على


الصفحة التالية
Icon