مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٣٣
يقول : يا أيتها البشرى هذا الوقت وقتك، ولو كنت ممن يخاطب لخوطبت الآن ولأمرت بالحضور.
واعلم أن سبب البشارة هو أنهم وجدوا غلاما في غاية الحسن وقالوا : نبيعه بثمن عظيم ويصير ذلك سببا لحصول الغنى.
والقول الثاني : وهو الذي ذكره السدي أن الذي نادى صاحبه وكان اسمه، فقال يا بشرى كما تقول يا زيد. وعن الأعمش أنه قال : دعا امرأة اسمها بشرى يا بُشْرى قال أبو علي الفارسي : إن جعلنا البشرى اسما للبشارة، وهو الوجه جاز أن يكون في محل الرفع كما قيل : يا رجل لاختصاصه بالنداء، وجاز أن يكون في موضع النصب على تقدير : أنه جعل ذلك النداء شائعا في جنس البشرى، ولم يخص كما تقول : يا رجلا ويا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس : ٣٠].
وأما قوله تعالى : وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : الضمير في وَأَسَرُّوهُ إلى من يعود؟ فيه قولان : الأول : أنه عائد إلى الوارد وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه في الجب، وذلك لأنهم قالوا : إن قلنا للسيارة التقطناه شاركونا فيه، وإن قلنا اشتريناه : سألونا الشركة، فالأصوب أن نقول : إن أهل الماء جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه لهم بمصر.
والثاني : نقل عن ابن عباس أنه قال : وَأَسَرُّوهُ يعني : إخوة يوسف أسروا شأنه، والمعنى : أنهم أخفوا كونه أخا لهم، بل قالوا : إنه عبد لنا أبق منا وتابعهم على ذلك يوسف لأنهم توعدوه بالقتل بلسان العبرانية، والأول أولى لأن قوله : وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً يدل على أن المراد أسروه حال ما حكموا بأنه بضاعة، وذلك إنما يليق بالوارد لا بإخوة يوسف.
المسألة الثانية : البضاعة القطعة من المال تجعل للتجارة من بضعت اللحم إذا قطعته. قال الزجاج :
وبضاعة منصوبة على الحال كأنه قال : وأسروه حال ما جعلوه بضاعة.
ثم قال تعالى : وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ والمراد منه أن يوسف عليه السلام لما رأى الكواكب والشمس والقمر في النوم سجدت له وذكر ذلك حسده إخوته عليه واحتالوا في إبطال ذلك الأمر عليه فأوقعوه في البلاء الشديد حتى لا يتيسر له ذلك المقصود، وأنه تعالى جعل وقوعه في ذلك البلاء سببا إلى وصوله إلى مصر، ثم تمادت وقائعه وتتابع الأمر إلى أن صار ملك مصر وحصل ذلك الذي رآه في النوم فكان العمل الذي عمله الأعداء في دفعه عن ذلك المطلوب صيره / اللَّه تعالى سببا لحصول ذلك المطلوب، فلهذا المعنى قال : وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ.
ثم قال تعالى : وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ أما قوله : وَشَرَوْهُ ففيه قولان :
القول الأول : المراد من الشراء هو البيع، وعلى هذا التقدير ففي ذلك البائع قولان :
القول الأول : قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما : إن إخوة يوسف لما طرحوا يوسف في الجب ورجعوا عادوا بعد ثلاث يتعرفون خبره، فلما لم يروه في الجب ورأوا آثار السيارة طلبوهم فلما رأوا يوسف قالوا : هذا عبدنا أبق منا فقالوا لهم : فبيعوه منا فباعوه منهم، والمراد من قوله : وَشَرَوْهُ أي باعوه يقال : شريت الشيء إذا بعته، وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع، لأن الضمير في قوله : وَشَرَوْهُ وفي قوله : وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ عائد إلى شيء واحد لكن الضمير في قوله : وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ عائد إلى الإخوة فكذا في


الصفحة التالية
Icon