مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٣٩
لها، إلا أن يخلق فيه داعية جازمة في جانب الطاعة وأن يزيل عن قلبه داعية المعصية، وذلك هو المطلوب، والدليل على أن المراد ما ذكرناه ما
نقل أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما وقع بصره على زينب قال :«يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»
وكان المراد منه تقوية داعية الطاعة، وإزالة داعية المعصية فكذا هاهنا، وكذا
قوله عليه السلام :«قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن»
فالمراد من الإصبعين داعية الفعل، وداعية الترك وهاتان الداعيتان لا يحصلان إلا بخلق اللَّه تعالى، وإلا لافتقرت إلى داعية أخرى ولزم التسلسل فثبت أن قول يوسف عليه السلام : مَعاذَ اللَّهِ من أدل الدلائل على قولنا واللَّه أعلم.
السؤال الثالث : ذكر يوسف عليه السلام في الجواب عن كلامها ثلاثة أشياء : أحدها : قوله : مَعاذَ اللَّهِ والثاني : قوله تعالى عنه : إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ والثالث : قوله : إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فما وجه تعلق بعض هذا الجواب ببعض؟
والجواب : هذا الترتيب في غاية الحسن، وذلك لأن الانقياد لأمر اللَّه تعالى وتكليفه أهم الأشياء لكثرة إنعامه وألطافه في حق العبد فقوله : مَعاذَ اللَّهِ إشارة إلى أن حق اللَّه تعالى يمنع عن هذا العمل، وأيضا حقوق الخلق واجبة الرعاية، فلما كان هذا الرجل قد أنعم في حقي يقبح مقابلة إنعامه وإحسانه بالإساءة، وأيضا صون النفس عن الضرر واجب، وهذه اللذة لذة قليلة يتبعها خزي في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، واللذة القليلة إذا لزمها ضرر شديد، فالعقل يقتضي تركها والاحتزاز عنها فقوله : إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ إشارة إليه، فثبت أن هذه الجوابات الثلاثة مرتبة على أحسن وجوه الترتيب.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٢٤]
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)
اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها وفي هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى : في أنه عليه السلام هل صدر عنه ذنب أم لا؟ وفي هذه المسألة قولان : الأول : أن يوسف عليه السلام هم بالفاحشة. قال الواحدي في كتاب «البسيط» قال المفسرون : الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم هم يوسف أيضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة، فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه.
قال جعفر الصادق رضي اللَّه عنه بإسناده عن علي عليه السلام أنه قال : طمعت فيه وطمع فيها فكان طمعه فيها أنه هم أن يحل التكة،
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال :
حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن وعنه أيضا أنها استلقت له وجلس بين رجليها ينزع ثيابه، ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب، وما ذكر آية يحتج بها ولا حديثا صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة، وما أمعن النظر في تلك الكلمات العارية عن الفائدة
روي أن يوسف عليه السلام لما قال : ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يوسف : ٥٢] قال له جبريل عليه السلام ولا حين هممت يا يوسف فقال يوسف عند ذلك : وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف : ٥٣]
ثم قال والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء عليهم السلام وارتفاع منازلهم عند اللَّه تعالى من الذين نفوا الهم عنه، فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب.


الصفحة التالية
Icon