مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٥٣
خرج ضرب لم يفد ألبتة، فعند هذا قالوا : تقدير الكلام ثم بدا لهم سجنه، إلا أنه أقيم هذا الفعل مقام ذلك الاسم، وأقول : الذوق يشهد بأن جعل الفعل مخبر عنه لا يجوز وليس لأحد أن يقول الفعل خبرا فجعل الخبر مخبرا عنه لا يجوز، لأنا نقول : الاسم قد يكون خبرا كقولك : زيد قائم فقائم اسم وخبر فعلمنا أن كون الشيء خبرا لا ينافي كونه مخبرا عنه، بل نقول في هذا المقام : شكوك أحدها : أنا إذا قلنا : ضرب فعل فالمخبر عنه بأنه فعل هو ضرب، فالفعل صار مخبرا عنه.
فإن قالوا : المخبر عنه هو هذه الصيغة وهي اسم فنقول : فعلى هذا التقدير يلزم أن يكون المخبر عنه بأنه فعل اسم لا فعل وذلك كذب وباطل، بل نقول المخبر عنه بأنه فعل إن كان فعلا فقد ثبت أن الفعل يصح الإخبار عنه وإن كان اسما كان معناه : أنا أخبرنا عن الاسم بأنه فعل ومعلوم أنه باطل، وفي هذا الباب مباحث عميقة ذكرناها في «كتب المعقولات».
المسألة الثالثة : قال أهل اللغة : الحين وقت من الزمان غير محدود يقع على القصير منه، وعلى الطويل، وقال ابن عباس : يريد إلى انقطاع المقالة وما شاع في المدينة من الفاحشة، ثم قيل : الحين هاهنا خمس سنين، وقيل : بل سبع سنين، وقال مقاتل بن سليمان : حبس يوسف اثنتي عشر سنة، والصحيح أن هذه المقادير غير معلومة، وإنما القدر المعلوم أنه بقي محبوسا مدة طويلة لقوله تعالى : وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف : ٤٥].
أما قوله تعالى : وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ فههنا محذوف، والتقدير : لما أرادوا حبسه حبسوه وحذف ذلك لدلالة قوله : وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ عليه قيل : هما غلامان كانا للملك الأكبر بمصر أحدهما صاحب طعامه، والآخر صاحب شرابه رفع إليه أن صاحب طعامه يريد أن يسمه وظن أن الآخر يساعده عليه فأمر بحبسهما بقي في الآية سؤالات :
السؤال الأول : كيف عرفا أنه عليه السلام عالم بالتعبير؟
والجواب : لعله عليه السلام سألهما عن حزنهما وغمهما فذكرا إنا رأينا في المنام هذه الرؤيا، ويحتمل أنهما رأياه وقد أظهر معرفته بأمور منها تعبير الرؤيا فعندها ذكرا له ذلك.
السؤال الثاني : كيف عرف أنهما كانا عبدين للملك :
الجواب : لقوله : فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف : ٤١] أي مولاه ولقوله : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف :
٤٢].
السؤال الثالث : كيف عرف أن أحدهما صاحب شراب الملك، والآخر صاحب طعامه؟
والجواب : رؤيا كل واحد منهما تناسب حرفته لأن أحدهما رأى أنه يعصر الخمر والآخر كأنه يحمل فوق رأسه خبزا.
السؤال الرابع : كيف وقعت رؤية المنام؟
والجواب : فيه قولان :
القول الأول : أن يوسف عليه السلام لما دخل السجن قال لأهله إني أعبر الأحلام فقال أحد الفتيين، هلم فلنختبر هذا العبد العبراني برؤيا نخترعها له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا. قال ابن مسعود : ما كانا رأيا شيئا وإنما تحاكما ليختبرا علمه.


الصفحة التالية
Icon