مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٥٧
الكواكب، ومنهم من يعبد العقل والنفس والطبيعة، فقوله : ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رد على كل هؤلاء الطوائف والفرق، وإرشاد إلى الدين الحق، وهو أنه لا موجد إلا اللَّه ولا خالق إلا اللَّه ولا رازق إلا اللَّه.
ثم قال : ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ [إلى آخر الآية] وفيه مسألة. وهي أنه قال : ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ.
ثم قال : ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فقوله : ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من عدم الإشراك، فهذا يدل على أن عدم الإشراك وحصول الإيمان من اللَّه. ثم بين أن الأمر كذلك في حقه بعينه، وفي حق الناس. ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون، ويجب أن يكون المراد أنهم لا يشكرون اللَّه على نعمة الإيمان، حكي أن واحدا من أهل السنة دخل على بشر بن المعتمر، وقال : هل تشكر اللَّه على الإيمان أم لا. فإن قلت : لا، فقد خالفت الإجماع، وإن شكرته فكيف تشكره على ما ليس فعلا له، فقال له بشر إنا نشكره على أنه تعالى أعطانا القدرة والعقل والآلة، فيجب علينا أن نشكره على إعطاء القدرة والآلة، فأما أن نشكره على الإيمان مع أن الإيمان ليس فعلا له، فذلك باطل، وصعب الكلام على بشر، فدخل عليهم ثمامة بن الأشرس وقال : إنا لا نشكر اللَّه على الإيمان، بل اللَّه يشكرنا عليه كما قال : فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء : ١٩] فقال بشر : لما صعب الكلام سهل.
واعلم أن الذي ألزمه ثمامة باطل بنص هذه الآية، وذلك لأنه تعالى بين أن عدم الإشراك من فضل اللَّه، ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة، وإنما ذكره على سبيل الذم فدل هذا على أنه يجب على كل مؤمن أن يشكر اللَّه تعالى على نعمة الإيمان وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة. قال القاضي قوله : ذلِكَ إن جعلناه إشارة إلى التمسك بالتوحيد فهو من فضل اللَّه تعالى لأنه إنما حصل بألطافه وتسهيله، ويحتمل أن يكون إشارة إلى النبوة.
والجواب : أن ذلك إشارة إلى المذكور السابق، وذاك هو ترك الإشراك فوجب أن يكون ترك الإشراك من فضل اللَّه تعالى، والقاضي يصرفه إلى الألطاف والتسهيل، فكان هذا تركا للظاهر وأما صرفه إلى النبوة فبعيد، لأن اللفظ الدال على الإشارة يجب صرفه إلى أقرب المذكورات وهو هاهنا عدم الإشراك.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٩ إلى ٤٠]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠)
[في قوله تعالى يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : يا صاحِبَيِ السِّجْنِ يريد صاحبي في السجن، ويحتمل أيضا أنه لما حصلت مرافقتهما في السجن مدة قليلة أضيفا إليه وإذا كانت المرافقة القليلة كافية في كونه صاحبا فمن عرف اللَّه وأحبه طول عمره أولى بأن يبقى عليه اسم المؤمن العارف المحب.
المسألة الثانية : اعلم أنه عليه السلام لما ادعى النبوة في الآية الأولى وكان إثبات النبوة مبنيا على إثبات الإلهيات لا جرم شرع في هذه الآية في تقرير الإلهيات، ولما كان أكثر الخلق مقرين بوجود الإله العالم القادر


الصفحة التالية
Icon