مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٦٠
ذواتها وصفاتها مفتقرة إلى موجد ومبدع قاهر قادر عليم حكيم، فذلك الشخص يكون في غاية الندرة، فلهذا قال : وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤١]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)
اعلم أنه عليه السلام لما قرر أمر التوحيد والنبوة عاد إلى الجواب عن السؤال الذي ذكراه، والمعنى ظاهر، وذلك لأن الساقي لما قص رؤياه على يوسف، وقد ذكرنا كيف قص عليه قال له يوسف : ما أحسن ما رأيت أما حسن العنبة فهو حسن حالك، وأما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن، وقال للخباز : لما قص / عليه بئسما رأيت السلال الثلاث ثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيصلبك وتأكل الطير من رأسك، ثم نقل في التفسير أنهما قالا ما رأينا شيئا فقال : قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ واختلف فيما لأجله قالا ما رأينا شيئا فقيل إنهما وضعا هذا الكلام ليختبرا علمه بالتعبير مع أنهما ما رأيا شيئا وقيل : إنهما لما كرها ذلك الجواب قالا ما رأينا شيئا.
فإن قيل : هذا الجواب الذي ذكره يوسف عليه السلام ذكره بناء على الوحي من قبل اللَّه تعالى أو بناء على علم التعبير، والأول باطل لأن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما نقل أنه إنما ذكره على سبيل التعبير، وأيضا قال تعالى : وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا [يوسف : ٤٢] ولو كان ذلك التعبير مبنيا على الوحي لكان الحاصل منه القطع واليقين لا الظن والتخمين، والثاني : أيضا باطل لأن علم التعبير مبنى على الظن والحسبان.
الجواب : لا يبعد أن يقال : إنهما لما سألاه عن ذلك المنام صدقا فيه أو كذبا فإن اللَّه تعالى أوحى إليه أن عاقبة كل واحد منهما تكون على الوجه المخصوص، فلما نزل الوحي بذلك الغيب عند ذلك السؤال وقع في الظن أنه ذكره على سبيل التعبير، ولا يبعد أيضا أن يقال : إنه بنى ذلك الجواب على علم التعبير، وقوله :
قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ ما عنى به أن الذي ذكره واقع لا محالة بل عنى به أنه حكمه في تعبير ما سألاه عنه ذلك الذي ذكره.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٤٢]
وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اختلفوا في أن الموصوف بالظن هو يوسف عليه السلام أو الناجي فعلى الأول كان المعنى وقال الرجل الذي ظن يوسف عليه السلام كونه ناجيا، وعلى هذا القول ففيه وجهان : الأول : أن تحمل هذا الظن على العلم واليقين، وهذا إذا قلنا بأنه عليه السلام إنما ذكر ذلك التعبير بناء على الوحي. قال هذا القائل وورود لفظ الظن بمعنى اليقين كثير في القرآن. قال تعالى : الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة : ٤٦] وقال : إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ [الحاقة : ٢٠] والثاني : أن تحمل هذا الظن على حقيقة / الظن، وهذا


الصفحة التالية
Icon