مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٧٥
والجواهر في السنة الثانية / ثم بالدواب ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم سنين فقالوا واللَّه ما رأينا ملكا أعظم شأنا من هذا الملك حتى صار كل الخلق عبيدا له فلما سمع ذلك قال إني أشهد اللَّه أني أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم، وكان لا يبيع لأحد ممن يطلب الطعام أكثر من حمل البعير لئلا يضيق الطعام على الباقين هكذا رواه صاحب «الكشاف»
واللَّه أعلم.
المسألة الثالثة : قوله : وَكَذلِكَ الكاف منصوبة بالتمكين، وذلك إشارة إلى ما تقدم يعني به ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياه من قلب الملك وإنجائنا إياه من غم الحبس، وقوله : مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي أقدرناه على ما يريد برفع الموانع وقوله : يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يتبوأ في موضع نصب على الحال تقديره مكناه متبوأ وقرأ ابن كثير : نشاء بالنون مضافا إلى اللَّه تعالى والباقون بالياء مضافا إلى يوسف.
واعلم أن قوله : يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ يدل على أنه صار في الملك بحيث لا يدافعه أحد، ولا ينازعه منازع بل صار مستقلا بكل ما شاء وأراد ثم بين تعالى ما يؤكد أن ذلك من قبله فقال : نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ.
واعلم أنه تعالى ذكر أولا أن ذلك التمكين كان من اللَّه لا من أحد سواه وهو قوله : كَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ثم أكد ذلك ثانيا بقوله : نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وفيه فائدتان :
الفائدة الأولى : أن هذا يدل على أن الكل من اللَّه تعالى. قال القاضي : تلك المملكة لما لم تتم إلا بالأمور فعلها اللَّه تعالى صارت كأنها حصلت من قبله تعالى.
وجوابه : أنا ندعي أن نفس تلك المملكة إنما حصلت من قبل اللَّه تعالى، لأن لفظ القرآن يدل على قولنا، والبرهان القاطع الذي ذكرناه يقوي قولنا، فصرف هذا اللفظ إلى المجاز لا سبيل إليه.
الفائدة الثانية : أنه أتاه ذلك الملك بمحض المشيئة الإلهية والقدرة النافذة. قال القاضي : هذه الآية تدل على أنه تعالى يجري أمر نعمه على ما يقتضيه الصلاح.
قلنا : الآية تدل على أن الأمور معلقة بالمشيئة الإلهية والقدرة المحصنة فأما رعاية قيد الصلاح، فأمر اعتبرته أنت من نفسك مع أن اللفظ لا يدل عليه.
ثم قال تعالى : وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وذلك لأن إضاعة الأجر إما أن يكون للعجز أو للجهل أو للبخل والكل ممتنع في حق اللَّه تعالى، فكانت الإضاعة ممتنعة.
واعلم أن هذا شهادة من اللَّه تعالى على أن يوسف عليه السلام كان من المحسنين ولو صدق القول / بأنه جلس بين شعبها الأربع لامتنع أن يقال : إنه كان من المحسنين، فههنا لزم إما تكذيب اللَّه في حكمه على يوسف بأنه كان من المحسنين وهو عين الكفر أو لزم تكذيب الحشوي فيما رواه وهو عين الإيمان والحق.
ثم قال تعالى : وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ وفيه مسائل :
المسألة الأول : في تفسير هذه الآية قولان :
القول الأول : المراد منه أن يوسف عليه السلام وإن كان قد وصل إلى المنازل العالية والدرجات الرفيعة في الدنيا إلا أن الثواب الذي أعده اللَّه له في الآخرة خير وأفضل وأكمل وجهات الترجيح قد ذكرناها في هذا