مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٨٠
فإن قيل : لم بعثه معهم وقد شاهد ما شاهد.
قلنا : لوجوه : أحدها : أنهم كبروا ومالوا إلى الخير والصلاح، وثانيها : أنه كان يشاهد أنه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام، وثالثها : أن ضرورة القحط أحوجته إلى ذلك، ورابعها : لعله تعالى أوحى إليه وضمن حفظه وإيصاله إليه.
فإن قيل : هل يدل قوله : فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً على أنه أذن في ذهاب ابنه بنيامين في ذلك الوقت.
قلنا : الأكثرون قالوا : يدل عليه. وقال آخرون : لا يدل عليه. وفيه وجهان : الأول : التقدير أنه لو أذن في خروجه معهم لكان في حفظ اللَّه لا في حفظهم. الثاني : أنه لما ذكر يوسف قال : فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً أي ليوسف لأنه كان يعلم أنه حي.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٦٥]
وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥)
اعلم أن المتاع ما يصلح لأن يستمتع به وهو عام في كل شيء، ويجوز أن يراد به هاهنا الطعام الذي حملوه، ويجوز أن يراد به أوعية الطعام.
ثم قال : وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ واختلف القراء في رُدَّتْ فالأكثرون بضم الراء، وقرأ علقمة بكسر الراء. قال صاحب «الكشاف» : كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل وبيع. وحكى قطرب أنهم قالوا في قولنا : ضرب زيد على نقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد. وأما قوله : ما نَبْغِي ففي كلمة (ما) قولان :
القول الأول : أنها للنفي، وعلى هذا التقدير ففيه وجوه : الأول : أنهم كانوا قد وصفوا يوسف بالكرم واللطف وقالوا : إنا قدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب لما فعل ذلك، فقولهم : ما نَبْغِي أي بهذا الوصف الذي ذكرناه كذبا ولا ذكر شيء لم يكن. الثاني : أنه بلغ في الإكرام إلى غاية ما وراءها شيء آخر، فإنه بعد أن بالغ في إكرامنا أمر ببضاعتنا فردت إلينا. الثالث : المعنى أنه رد بضاعتنا إلينا، فنحن لا نبغي منك عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإن هذه التي معنا كافية لنا.
والقول الثاني : أن كلمة «ما» هاهنا للاستفهام، والمعنى : لما رأوا أنه رد إليهم بضاعتهم قالوا : ما نبغي بعد هذا، أي أعطانا الطعام، ثم رد علينا ثمن الطعام على أحسن الوجوه، فأي شيء نبغي وراء ذلك؟
واعلم أنا إذا حملنا «ما» على الاستفهام صار التقدير أي شيء نبغي فوق هذا الإكرام إن الرجل رد دراهمنا إلينا فإذا ذهبنا إليه نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا. قال الأصمعي : يقال ماره يميره ميرا إذا أتاه بميرة أي بطعام ومنه يقال : ما عنده خير ولا مير وقوله : وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ معناه : أن يوسف عليه السلام كان يكيل لكل رجل حمل بعير فإذا حضر أخوه فلا بد وأن يزداد ذلك الحمل، وأما إذا حملنا كلمة «ما» على النفي كان المعنى لا نبغي شيئا آخر هذه بضاعتنا ردت إلينا فهي كافية لثمن الطعام في الذهاب الثاني، ثم نفعل كذا وكذا.