مفاتيح الغيب، ج ١٨، ص : ٤٨٨
مبتدأ ومن وجد في رحله خبره. والمعنى : جزاء السرقة هو الإنسان الذي / وجد في رحله السرقة، ويكون قوله : فَهُوَ جَزاؤُهُ زيادة في البيان كما تقول جزاء السارق القطع فهو جزاؤه. الثاني : أن يقال : جَزاؤُهُ مبتدأ وقوله : مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ جملة وهي في موضع خبر المبتدأ. والتقدير : كأنه قيل جزاؤه من وجد في رحله فهو هو، إلا أنه أقام المضمر للتأكيد والمبالغة في البيان وأنشد النحويون :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت الغني والفقيرا
وأما قوله : كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ أي مثل هذا الجزاء جزاء الظالمين يريد إذا سرق استرق ثم قيل :
هذا من بقية كلام إخوة يوسف. وقيل : إنهم لما قالوا جزاؤه ممن وجد في رحله فهو جزاؤه، فقال أصحاب يوسف : كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٦]
فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)
اعلم أن إخوة يوسف لما أقروا بأن من وجد المسروق في رحله فجزاؤه أن يسترق قال لهم المؤذن : إنه لا بد من تفتيش أمتعتكم، فانصرف بهم إلى يوسف فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ لإزالة التهمة والأوعية جمع الوعاء وهو كل ما إذا وضع فيه شيء أحاط به استخرجها من وعاء أخيه، وقرأ الحسن وِعاءِ أَخِيهِ بضم الواو وهي لغة، وقرأ سعيد بن جبير إعاء أخيه فقلب الواو همزة.
فإن قيل : لم ذكر ضمير الصواع مرات ثم أنثه؟
قلنا : قالوا رجع ضمير المؤنث إلى السقاية وضمير المذكر إلى الصواع أو يقال : الصواع يؤنث ويذكر، فكان كل واحد منهما جائزا أو يقال : لعل يوسف كان يسميه سقاية وعبيده صواعا فقد وقع فيما يتصل به من الكلام سقاية وفيما يتصل بهم صواعا، عن قتادة أنه قال : كان لا ينظر في وعاء إلا استغفر اللَّه تائبا مما قذفهم به، حتى إنه لما لم يبق إلا أخوه قال ما أرى هذا قد أخذ شيئا، / فقالوا : لا نذهب حتى تتفحص عن حاله أيضا، فلما نظروا في متاعه استخرجوا الصواع من وعائه والقوم كانوا قد حكموا بأن من سرق يسترق، فأخذوا برقبته وجروا به إلى دار يوسف.
ثم قال تعالى : كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ وفيه بحثان : الأول : المعنى ومثل ذلك الكيد كدنا ليوسف، وذلك إشارة إلى الحكم باسترقاق السارق، أي مثل هذا الحكم الذي ذكره إخوة يوسف حكمنا ليوسف. الثاني : لفظ الكيد مشعر بالحيلة والخديعة، وذلك في حق اللَّه تعالى محال إلا أنا ذكرنا قانونا معتبرا في هذا الباب، وهو أن أمثال هذه الألفاظ تحمل على نهايات الأغراض لا على بدايات الأغراض، وقررنا هذا الأصل في تفسير قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي [البقرة : ٢٦] فالكيد السعي في الحيلة والخديعة، ونهايته إلقاء الإنسان من حيث لا يشعر في أمر مكروه ولا سبيل له إلى دفعه، فالكيد في حق اللَّه تعالى محمول على هذا المعنى. ثم اختلفوا في المراد بالكيد هاهنا فقال بعضهم : المراد أن إخوة يوسف سعوا في إبطال أمر يوسف، واللَّه تعالى نصره وقواه وأعلى أمره. وقال آخرون : المراد من هذا الكيد هو أنه تعالى