مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ١٥٠
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٥١ إلى ٥٦]
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦)
[في قوله تعالى وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بالغ في تقرير أمر النبوة ثم أردفه بذكر دلائل التوحيد، ثم ذكر عقيبه أحوال القيامة وصفة الأشقياء والسعداء، أتبعه بذكر قصص الأنبياء عليهم السلام ليكون سماعها مرغبا في الطاعة الموجبة للفوز بدرجات الأنبياء، ومحذرا عن المعصية لاستحقاق دركات الأشقياء، فبدأ أولا بقصة إبراهيم عليه السلام، والضمير، في قوله : وَنَبِّئْهُمْ راجع إلى قوله : عِبادِي والتقدير : ونبىء عبادي عن ضيف إبراهيم، يقال : أنبأت القوم إنباء ونبأتهم تنبئة إذا / أخبرتهم وذكر تعالى في الآية أن ضيف إبراهيم عليه السلام بشروه بالولد بعد الكبر. وبإنجاء المؤمنين من قوم لوط من العذاب وأخبروه أيضا بأنه تعالى سيعذب الكفار من قوم لوط بعذاب الاستئصال، وكل ذلك يقوي ما ذكره من أنه غفور رحيم للمؤمنين، وأن عذابه عذاب أليم في حق الكفار.
المسألة الثانية : الضيف في الأصل مصدر ضاف يضيف إذا أتى إنسانا لطلب القرى، ثم سمى به، ولذلك وحد في اللفظ وهم جماعة.
فإن قيل : كيف سماهم ضيفا مع امتناعهم عن الأكل؟
قلنا : لما ظن إبراهيم أنهم إنما دخلوا عليه لطلب الضيافة جاز تسميتهم بذلك. وقيل أيضا : إن من يدخل دار الإنسان ويلتجئ إليه يسمى ضيفا وإن لم يأكل، وقوله تعالى : إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً أي نسلم عليك سلاما أو سلمت سلاما، فقال إبراهيم : إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ أي خائفون، وكان خوفه لامتناعهم من الأكل. وقيل : لأنهم دخلوا عليه بغير إذن وبغير وقت وقرأ الحسن : لا تَوْجَلْ بضم التاء من أوجله يوجله إذا أخافه. وقرئ لا تأجل ولا تواجل من واجله بمعنى أو جله، وهذه القصة قد مر ذكرها بالاستقصاء في سورة هود. وقوله : قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ فيه أبحاث :
البحث الأول : قرأ حمزة : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بفتح النون، وتخفيف الباء، والباقون : نُبَشِّرُكَ بالتشديد.
البحث الثاني : قوله : إِنَّا نُبَشِّرُكَ استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، والمعنى : أنك بمثابة الآمن المبشر فلا توجل.
البحث الثالث : قوله : إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ بشروه بأمرين : أحدهما : أن الولد ذكر والآخر أنه يصير عليما، واختلفوا في تفسير العليم، فقيل : بشروه بنبوته بعده. وقيل : بشروه بأنه عليم بالدين. ثم حكى اللّه


الصفحة التالية
Icon