مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ١٥٧
اعلم أن هذه هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة. فأولها : قصة آدم وإبليس. وثانيها :
قصة إبراهيم ولوط. وثالثها : هذه القصة، وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب عليه السلام، كانوا أصحاب غياض فكذبوا شعيبا فأهلكهم اللّه تعالى بعذاب يوم الظلة، وقد ذكر اللّه تعالى قصتهم في سورة الشعراء، والأيكة الشجر الملتف. يقال : أيكة وأيك كشجرة وشجر. قال ابن عباس : الأيك هو شجر المقل، وقال الكلبي :
الأيكة الغيضة، وقال الزجاج : هؤلاء أهل موضع كان ذا شجر. قال الواحدي : ومعنى إن واللام للتوكيد وإن هاهنا هي المخففة من الثقيلة، وقوله : فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ قال المفسرون : اشتد الحر فيهم أياما، ثم اضطرم عليهم المكان نارا فهلكوا عن آخرهم وقوله : وَإِنَّهُما فيه قولان :
القول الأول : المراد قرى قوم لوط عليه السلام والأيكة.
والقول الثاني : الضمير للأيكة ومدين لأن شعيبا عليه السلام كان مبعوثا إليهما فلما ذكر الأيكة دل بذكرها على مدين فجاء بضميرهما وقوله : لَبِإِمامٍ مُبِينٍ أي بطريق واضح والإمام اسم ما يؤتم به. قال الفراء والزجاج : إنما جعل الطريق إماما لأنه يؤم ويتبع. قال ابن قتيبة : لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده وقوله : مُبِينٍ يحتمل أنه مبين في نفسه ويحتمل / أنه مبين لغيره، لأن الطريق يهدي إلى المقصد.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٠ إلى ٨٤]
وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤)
هذه هي القصة الرابعة، وهي قصة صالح. قال المفسرون : الحجر اسم واد كان يسكنه ثمود وقوله :
الْمُرْسَلِينَ المراد منه صالح وحده، ولعل القوم كانوا براهمة منكرين لكل الرسل وقوله : وَآتَيْناهُمْ آياتِنا يريد الناقة، وكان في الناقة آيات كثيرة كخروجها من الصخرة وعظم خلقها وظهور نتاجها عند خروجها، وكثرة لبنها وأضاف الإيتاء إليهم وإن كانت الناقة آية لصالح لأنها آيات رسولهم، وقوله : فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ يدل على أن النظر والاستدلال واجب وأن التقليد مذموم وقوله : وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ قد ذكرنا كيفية ذلك النحت في سورة الأعراف وقوله : آمِنِينَ يريد من عذاب اللّه، وقال الفراء : آمِنِينَ أن يقع سقفهم عليهم وقوله : فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أي ما دفع عنهم الضر والبلاء ما كانوا يعملون من نحت تلك الجبال ومن جمع تلك الأموال. واللّه أعلم.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٥ إلى ٨٦]
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦)


الصفحة التالية
Icon