مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ١٨٠
يطعمها اللحم إذا عز الشجر
يعني أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض، وقال ابن قتيبة في هذه الآية المراد من الشجر الكلأ، وفي حديث عكرمة لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت يعني الكلأ.
ولقائل أن يقول : إنه تعالى قال : وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرحمن : ٦] والمراد من النجم ما ينجم من الأرض مما ليس له ساق، ومن الشجر ما له ساق، هكذا قال المفسرون، وبالجملة فلما عطف الشجر على النجم دل على التغاير بينهما، ويمكن أن يجاب عنه بأن عطف الجنس على النوع وبالضد مشهور وأيضا فلفظ الشجر مشعر بالاختلاط، يقال : تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض وتشاجرت الرماح إذا اختلطت وقال تعالى : حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء : ٦٥] ومعنى الاختلاط حاصل في العشب والكلأ، فوجب جواز إطلاق لفظ الشجر عليه.
القول الثاني : أن الإبل تقدر على رعي ورق الأشجار الكبار، وعلى هذا التقدير فلا حاجة إلى ما ذكرناه في القول الأول.
البحث الثاني : قوله : فِيهِ تُسِيمُونَ أي في الشجر ترعون مواشيكم يقال : أسمت الماشية إذا خليتها ترعى، وسامت هي تسوم سوما إذا رعت حيث شاءت فهي سوام وسائمة قال الزجاج : أخذ ذلك من السومة وهي العلامة. وتأويلها أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات، وقال غيره. لأنها تعلم للإرسال في المرعى، وتمام الكلام في هذا اللفظ قد ذكرناه في سورة آل عمران في قوله تعالى : وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ [آل عمران : ١٤].
أما قوله تعالى : يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ ففيه مباحث :
البحث الأول : هو أن النبات الذي ينبته اللّه من ماء السماء قسمان : أحدهما : معد لرعي الأنعام وأسامة الحيوانات، وهو المراد من قوله : فِيهِ تُسِيمُونَ. والثاني : ما كان مخلوقا لأكل الإنسان وهو المراد من قوله :
يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ.
فإن قيل : إنه تعالى بدأ في هذه الآية بذكر ما يكون مرعى للحيوانات، وأتبعه بذكر ما يكون غذاء للإنسان، وفي آية أخرى عكس هذا الترتيب فبدأ بذكر مأكول الإنسان، ثم بما يرعاه سائر الحيوانات فقال :
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ [طه : ٥٤] فما الفائدة فيه؟
قلنا : أما الترتيب المذكور في هذه الآية فينبه على مكارم الأخلاق وهو أن يكون اهتمام الإنسان بمن يكون تحت يده أكمل من اهتمامه بحال نفسه، وأما الترتيب المذكور في الآية الأخرى، فالمقصود منه ما هو المذكور في
قوله عليه السلام :«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».
البحث الثاني : قرأ عاصم في رواية أبي بكر : ننبت بالنون على التفخيم والباقون بالياء، قال الواحدي : والياء أشبه بما تقدم.
البحث الثالث : اعلم أن الإنسان خلق محتاجا إلى الغذاء، والغذاء إما أن يكون من الحيوان أو من


الصفحة التالية
Icon