مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ٨١
باطلة لا ينتفعون بشيء منها وعند هذا يظهر كمال خسرانهم لأنهم لا يجدون في القيامة / إلا العقاب الشديد وكل ما عملوه في الدنيا وجدوه ضائعا باطلا، وذلك هو الخسران الشديد. وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في ارتفاع قوله : مَثَلُ الَّذِينَ وجوه : الأول : قال سيبويه : التقدير : وفيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا، أو مثل الذين كفروا فيما يتلى عليكم، وقوله : كَرَمادٍ جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم فقيل : أعمالهم كرماد. الثاني : قال الفراء : التقدير مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد فحذف المضاف اعتمادا على ذكره بعد المضاف إليه وهو قوله : أَعْمالُهُمْ ومثله قوله تعالى : الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة : ٧] أي خلق كل شيء، وكذا قوله : وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر : ٦٠] المعنى ترى وجوه الذين كذبوا على اللّه مسودة. الثالث : أن يكون التقدير صفة الذين كفروا أعمالهم كرماد، كقولك صفة زيد عرضه مصون، وماله مبذول. الرابع : أن تكون أعمالهم بدلا من قوله : مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا والتقدير : مثل أعمالهم وقوله : كَرَمادٍ هو الخبر. الخامس : أن يكون المثل صلة وتقديره : الذين كفروا أعمالهم.
المسألة الثانية : اعلم أن وجه المشابهة بين هذا المثل وبين هذه الأعمال، هو أن الريح العاصف تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى لذلك الرماد أثر ولا خبر، فكذا هاهنا أن كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لم يبق من تلك الأعمال معهم خبر ولا أثر، ثم اختلفوا في المراد بهذه الأعمال على وجوه :
الوجه الأول : أن المراد منها ما عملوه من أعمال البر كالصدقة وصلة الرحم وبر الوالدين وإطعام الجائع، وذلك لأنها تصير محبطة باطلة بسبب كفرهم، ولولا كفرهم لانتفعوا بها.
والوجه الثاني : أن المراد من تلك الأعمال عبادتهم للأصنام وما تكلفوه من كفرهم الذي ظنوه إيمانا وطريقا إلى الخلاص، والوجه في خسرانهم أنهم أتعبوا أبدانهم فيها الدهر الطويل لكي ينتفعوا بها فصارت وبالا عليهم.
والوجه الثالث : أن المراد من هذه الأعمال كلا القسمين، لأنهم إذا رأوا الأعمال التي كانت في أنفسها خيرات قد بطلت، والأعمال التي ظنوها خيرات وأفنوا فيها أعمارهم قد بطلت أيضا وصارت من أعظم الموجبات لعذابهم فلا شك أنه تعظم حسرتهم وندامتهم فلذلك قال تعالى : ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ.
المسألة الثالثة : قرئ الرياح في يوم عاصف جعل العصف لليوم، وهو لما فيه وهو الريح أو الرياح كقولك : يوم ماطر وليلة ساكرة، وإنما السكور لريحها قال الفراء : وإن شئت قلت / في يوم ذي عصوف، وإن شئت قلت : في يوم عاصف الريح فحذف ذكر الريح لكونه مذكورا قبل ذلك، وقرئ في يوم عاصف بالإضافة.
المسألة الرابعة : قوله : لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ أي لا يقدرون مما كسبوا على شيء منتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة وذلك لأنه ضاع بالكلية وفسد، وهذه الآية دالة على كون العبد مكتسبا لأفعاله.
واعلم أنه تعالى لما تمم هذا المثال قال : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : وجه النظم أنه تعالى لما بين أن أعمالهم تصير باطلة ضائعة، بين أن ذلك البطلان والإحباط إنما جاء بسبب صدر منهم وهو كفرهم باللّه وإعراضهم عن العبودية فإن اللّه تعالى لا يبطل أعمال


الصفحة التالية
Icon