مفاتيح الغيب، ج ١٩، ص : ٩٣
وتذكير وتصوير للمعاني، وذلك لأن المعاني العقلية المحضة لا يقبلها الحس والخيال والوهم، / فإذا ذكر ما يساويها من المحسوسات ترك الحس والخيال والوهم تلك المنازعة وانطبق المعقول على المحسوس وحصل به الفهم التام والوصول إلى المطلوب.
وأما قوله تعالى : وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ.
فاعلم أن الشجرة الخبيثة هي الجهل باللّه، فإنه أول الآفات وعنوان المخافات ورأس الشقاوات ثم إنه تعالى شبهها بشجرة موصوفة بصفات ثلاثة :
الصفة الأولى : أنها تكون خبيثة فمنهم من قال إنها الثوم، لأنه صلّى اللّه عليه وسلم وصف الثوم بأنها شجرة خبيثة، وقيل :
إنها الكراث. وقيل : إنها شجرة الحنظل لكثرة ما فيها من المضار وقيل : إنها شجرة الشوك.
واعلم أن هذا التفصيل لا حاجة إليه، فإن الشجرة قد تكون خبيثة بحسب الرائحة وقد تكون بحسب الطعم، وقد تكون بحسب الصورة والمنظر وقد تكون بحسب اشتمالها على المضار الكثيرة والشجرة الجامعة لكل هذه الصفات وإن لم تكن موجودة، إلا أنها لما كانت معلومة الصفة كان التشبيه بها نافعا في المطلوب.
والصفة الثانية : قوله : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ وهذه الصفة في مقابلة قوله : أَصْلُها ثابِتٌ ومعنى اجتثت استؤصلت وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة كلها، وقوله : مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ معناه : ليس لها أصل ولا عرق، فكذلك الشرك باللّه تعالى ليس له حجة ولا ثبات ولا قوة.
والصفة الثالثة : قوله ما لها من قرار، وهذه الصفة كالمتممة للصفة الثانية، والمعنى أنه ليس لها استقرار.
يقال : قر الشيء قرارا كقولك : ثبت ثباتا، شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت.
واعلم أن هذا المثال في صفة الكلمة الخبيثة في غاية الكمال، وذلك لأنه تعالى بين كونها موصوفة بالمضار الكثيرة، وخالية عن كل المنافع أما كونها موصوفة بالمضار فإليه الإشارة بقوله : خَبِيثَةٍ وأما كونها خالية عن كل المنافع فإليه الإشارة بقوله : اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ واللّه أعلم.
[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢٧]
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧)
اعلم أنه تعالى لما بين أن صفة الكلمة الطيبة أن يكون أصلها ثابتا، وصفة الكلمة الخبيثة أن لا يكون لها أصل ثابت بل تكون منقطعة ولا يكون لها قرار ذكر أن ذلك القول الثابت الصادر عنهم في الحياة الدنيا يوجب ثبات كرامة اللّه لهم، وثبات ثوابه عليهم، والمقصود بيان أن الثبات في المعرفة والطاعة يوجب الثبات في الثواب والكرامة من اللّه تعالى فقوله : يُثَبِّتُ اللَّهُ أي على الثواب والكرامة، وقوله : بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ أي بالقول الثابت الذي كان يصدر عنهم حال ما كانوا في الحياة الدنيا.
ثم قال : وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ يعني كما أن الكلمة الخبيثة ما كان لها أصل ثابت ولا فرع باسق فكذلك أصحاب الكلمة الخبيثة وهم الظالمون يضلهم اللّه عن كراماته ويمنعهم عن الفوز بثوابه وفي الآية قول آخر وهو