مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٢٥٤
كنت صادقاً إني لأعلم أجل هذه الأمة من السنين، ثم قال كيف ندخل في دين رجل دلت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل أمته إحدى وسبعون سنة، فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال حيي فهل غير هذا؟
فقال : نعم المص، فقال حيي : هذا أكثر من الأول هذا مائة وإحدى وستون سنة، فهل غير هذا، قال :
نعم الر، فقال حيي هذا أكثر من الأولى والثانية، فنحن نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة، فهل غير هذا؟ فقال : نعم المر، قال حيي : فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون ولا ندري بأي أقوالك نأخذ. فقال أبو ياسر : أما أنا فاشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عن ملك هذه الأمة ولم يبينوا أنها كم تكون، فإن كان محمد صادقاً فيما يقول إني لأراه يستجمع له هذا كله فقام اليهود، وقالوا اشتبه علينا أمرك كله، فلا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟ فذلك قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ.
[آل عمران : ٧]
الرابع عشر : هذه الحروف تدل على انقطاع كلام واستئناف كلام آخر، قال أحمد بن يحيى بن ثعلب : إن العرب إذا استأنفت كلاماً فمن شأنهم أن يأتوا بشيء غير الكلام الذي يريدون استئنافه، فيجعلونه تنبيهاً للمخاطبين على قطع الكلام الأول واستئناف الكلام الجديد. الخامس عشر : روى ابن الجوزي عن ابن عباس أن هذه الحروف ثناء أثنى اللّه عز وجل به على نفسه، السادس عشر : قال الأخفش : إن اللّه تعالى أقسم بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ولأنها مباني كتبه المنزلة بالألسنة المختلفة، ومباني أسماء اللّه الحسنى وصفاته العليا، وأصول كلام الأمم، بها يتعارفون ويذكرون اللّه ويوحدونه ثم إنه تعالى اقتصر على ذكر البعض وإن كان المراد، هو الكل، كما تقول قرأت الحمد، وتريد السورة بالكلية، فكأنه تعالى قال :
أقسم بهذه الحروف إن هذا الكتاب هو ذلك الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ، السابع عشر : أن التكلم بهذه الحروف، وإن كان معتاداً لكل أحد، إلا أن كونها مسماة بهذه الأسماء لا يعرفه إلا من اشتغل بالتعلم والاستفادة، فلما أخبر الرسول عليه السلام عنها من غير سبق تعلم واستفادة كان ذلك إخباراً عن الغيب، فلهذا السبب قدم اللّه تعالى ذكرها ليكون أول ما يسمع من هذه السورة معجزة دالة على صدقه. الثامن عشر :
قال أبو بكر التبريزي : إن اللّه تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة تقول بقدم القرآن فذكر هذه الحروف تنبيهاً على أن كلامه مؤلف من هذه الحروف، فيجب أن لا يكون قديماً. التاسع عشر : قال القاضي الماوردي : المراد من «ألم» أنه ألم بكم ذلك الكتاب. أي نزل عليكم، والإلمام الزيارة، وإنما قال تعالى ذلك لأن جبريل عليه السلام نزل به نزول الزائر العشرون : الألف إشارة إلى ما لا بد منه من الاستقامة في أول الأمر، وهو رعاية الشريعة، قال تعالى : إِنَّ / الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت : ٣٠] واللام إشارة إلى الانحناء الحاصل عند المجاهدات، وهو رعاية الطريقة، قال اللّه تعالى : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت : ٦٩] والميم إشارة إلى أن يصير العبد في مقام المحبة، كالدائرة التي يكون نهايتها عين بدايتها وبدايتها عين نهايتها، وذلك إنما يكون بالفناء في اللّه تعالى بالكلية، وهو مقام الحقيقة، قال تعالى : قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام : ٩١] الحادي والعشرون : الألف من أقصى الحلق، وهو أول مخارج الحروف، واللام من طرف اللسان، وهو وسط المخارج، والميم من الشفة، وهو آخر المخارج، فهذه إشارة إلى أنه لا بد وأن يكون أول ذكر العبد ووسطه وآخره ليس إلا اللّه تعالى، على ما قال : فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات : ٥٠]


الصفحة التالية
Icon