مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٢٥٨
أخر من المصلحة سوى هذا الوجه؟ وأما وصف القرآن بكونه هدى وبياناً فذلك لا ينافي ما قلناه، لأنه إذا كان الغرض ما ذكرناه كان استماعها من أعظم وجوه البيان والهدى واللّه أعلم.
القول بأنها أسماء السور :
فروع على القول بأنها أسماء السور : الأول : هذه الأسماء على ضربين : أحدهما : يتأتى فيه الإعراب، وهو إما أن يكون اسماً مفرداً «كصاد، وقاف، ونون» أو أسماء عدة مجموعها على زنة مفرد كحم، وطس ويس، فإنها موازنة لقابيل وهابيل، وأما طسم فهو وإن كان مركباً من ثلاثة أسماء فهو (كدر أبجرد)، وهو من باب ما لا ينصرف، لاجتماع سببين فيها وهما العلمية والتأنيث. والثاني : ما لا يتأتى فيه الإعراب، نحو كهيعص، والمر، إذا عرفت هذا فنقول : أما المفردة ففيها قراءتان : إحداهما : قراءة من قرأ صاد وقاف ونون بالفتح، وهذه الحركة يحتمل أن تكون هي النصب بفعل مضمر نحو : اذكر، وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف كما تقدم بيانه وأجاز / سيبويه مثله في حم وطس ويس لو قرئ به، وحكى السيرافي أن بعضهم قرأ «يس» بفتح النون، وأن يكون الفتح جراً، وذلك بأن يقدرها مجرورة بإضمار الباء القسمية، فقد جاء عنهم :«اللّه لأفعلن» غير أنها فتحت في موضع الجر لكونها غير مصروفة، ويتأكد هذا بما روينا عن بعضهم «أن اللّه تعالى أقسم بهذه الحروف»، وثانيتها : قراءة بعضهم صاد بالكسر. وسببه التحريك لالتقاء الساكنين. أما القسم الثاني- وهو ما لا يتأتى الإعراب فيه- فهو يجب أن يكون محكياً، ومعناه أن يجاء بالقول بعد نقله على استبقاء صورته الأولى كقولك :«دعني من تمرتان».
الثاني : أن اللّه تعالى أورد في هذه الفواتح نصف أسامي حروف المعجم : أربعة عشر سواء، وهي :
الألف، واللام، والميم، والصاد، والراء، والكاف، والهاء، والياء، والعين والطاء، والسين، والحاء، والقاف، والنون في تسع وعشرين سورة.
الثالث : هذه الفواتح جاءت مختلفة الأعداد، فوردت «ص ق ن» على حرف، و«طه وطس ويس وحم» على حرفين، و«ألم والر وطسم» على ثلاثة أحرف، والمص والمر على أربعة أحرف، و«كهيعص وحم عسق» على خمسة أحرف، والسبب فيه أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف فقط فكذا هاهنا.
الرابع : هل لهذه الفواتح محل من الإعراب أم لا؟ فنقول : إن جعلناها أسماء للسور فنعم، ثم يحتمل الأوجه الثلاثة، أما الرفع فعلى الابتداء، وأما النصب والجر فلما مر من صحة القسم بها، ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن يكون لها محل على قوله، كما لا محل للجمل المبتدأة وللمفردات المعدودة.
الإشارة في «ذلك الكتاب» :
[سورة البقرة (٢) : آية ٢]
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢)
قوله تعالى : ذلِكَ الْكِتابُ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : المشار إليه هاهنا حاضر، و«ذلك» اسم مبهم يشار به إلى البعيد، والجواب عنه من وجهين : الأول : لا نسلم أن المشار إليه حاضر، وبيانه من وجوه : أحدها : ما قاله الأصم :


الصفحة التالية
Icon