مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٢٦١
[البقرة : ١٨٥] واختلفوا في تفسيره، فقيل : سمي بذلك لأن نزوله كان متفرقاً أنزله في نيف وعشرين سنة، ودليله قوله تعالى : وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء : ١٠٦] ونزلت سائر الكتب جملة واحدة، ووجه الحكمة فيه ذكرناه في سورة الفرقان في قوله تعالى : وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الفرقان : ٣٢] وقيل : سمي بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والمجمل والمبين، والمحكم والمؤول، وقيل : الفرقان هو النجاة، وهو قول عكرمة والسدي، وذلك لأن الخلق في ظلمات الضلالات فبالقرآن وجدوا النجاة، / وعليه حمل المفسرون قوله : وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة : ٥٣].
معنى تسميته بالذكر :
ورابعها : الذكر، والتذكرة، والذكرى، أما الذكر فقوله : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [الأنبياء : ٥٠] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر : ٩]. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف : ٤٤] وفيه وجهان : أحدهما : أنه ذكر من اللّه تعالى ذكر به عباده فعرفهم تكاليفه وأوامره. والثاني : أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به، وأنه شرف لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وأمته، وأما التذكرة فقوله : وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [الحاقة : ٤٨] وأما الذكرى فقوله تعالى :
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات : ٥٥].
تسميته تنزيلًا وحديثاً :
وخامسها : التنزيل وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشعراء : ١٩٢- ١٩٣].
وسادسها : الحديث اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً [الزمر : ٢٣] سماه حديثاً، لأن وصوله إليك حديث، ولأنه تعالى شبهه بما يتحدث به، فإن اللّه خاطب به المكلفين.
وسابعها : الموعظة يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [يونس : ٥٧] وهو في الحقيقة موعظة لأن القائل هو اللّه تعالى، والآخذ جبريل، والمستملي محمد صلى اللّه عليه وسلم، فكيف لا تقع به الموعظة.
تسميته بالحكم والحكمة :
وثامنها : الحكم، والحكمة، والحكيم، والمحكم، أما الحكم فقوله : وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا [الرعد : ٣٧] وأما الحكمة فقوله : حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [القمر : ٥] وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب : ٣٤] وأما الحكيم فقوله : يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس : ١، ٢] وأما المحكم فقوله :
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود : ١].
معنى الحكمة :
واختلفوا في معنى الحكمة، فقال الخليل : هو مأخوذ من الإحكام والإلزام، وقال المؤرج : هو مأخوذ من حكمة اللجام، لأنها تضبط الدابة، والحكمة تمنع من السفه.
وتاسعها : الشفاء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء : ٨٢] وقوله : وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وفيه وجهان : أحدهما : أنه شفاء من الأمراض. والثاني : أنه شفاء من مرض الكفر، لأنه تعالى


الصفحة التالية
Icon