مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٢٩١
الخطيب في تاريخ بغداد عن عمرو بن عبيد / أنه قال : لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته، ولو سمعت عبد اللّه بن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت اللّه عز وجل يقول هذا لقلت ليس على هذا أخذت ميثاقنا. وأما الحديث الثاني :
فهو مناظرة آدم وموسى عليهما السلام،
فإن موسى قال لآدم : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟
فقال آدم : أنت الذي اصطفاك اللّه لرسالاته ولكلامه وأنزل عليك التوراة فهل تجد اللّه قدره علي؟ قال نعم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحج آدم موسى،
والمعتزلة طعنوا فيه من وجوه : أحدها : أن هذا الخبر يقتضي أن يكون موسى قد ذم آدم على الصغيرة وذلك يقتضي الجهل في حق موسى عليه السلام، وأنه غير جائز. وثانيها : أن الولد كيف يشافه والده بالقول الغليظ. وثالثها : أنه قال : أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة، وقد علم موسى أن شقاء الخلق وإخراجهم من الجنة لم يكن من جهة آدم، بل اللّه أخرجه منها، ورابعها : أن آدم عليه السلام احتج بما ليس بحجة إذ لو كان حجة لكان لفرعون وهامان وسائر الكفار أن يحتجوا بها، ولما بطل ذلك علمنا فساد هذه الحجة. وخامسها : أن الرسول عليه السلام صوب آدم في ذلك مع أنا بينا أنه ليس بصواب. إذا ثبت هذا وجب حمل الحديث على أحد ثلاثة أوجه. أحدها : أنه عليه السلام حكى ذلك عن اليهود لا أنه حكاه عن اللّه تعالى أو عن نفسه، والرسول عليه السلام كان قد ذكر هذه الحكاية إلا أن الراوي حين دخل ما سمع إلا هذا الكلام، فظن أنه عليه السلام ذكره عن نفسه لا عن اليهود. وثانيها : أنه قال : فحج آدم منصوباً أي أن موسى عليه السلام غلبه وجعله محجوباً وأن الذي أتى به آدم ليس بحجة ولا بعذر.
وثالثها : وهو المعتمد أنه ليس المراد من المناظرة الذم على المعصية، ولا الاعتذار منه بعلم اللّه بل موسى عليه السلام سأله عن السبب الذي حمله على تلك الزلة حتى خرج بسببها من الجنة، فقال آدم : إن خروجي من الجنة لم يكن بسبب تلك الزلة، بل بسبب أن اللّه تعالى كان قد كتب علي أن أخرج من الجنة إلى الأرض وأكون خليفة فيها، وهذا المعنى كان مكتوباً في التوراة، فلا جرم كانت حجة آدم قوية وصار موسى عليه السلام في ذلك كالمغلوب واعلم أن الكلام في هذه المسألة طويل جداً والقرآن مملوء منه وسنستقصي القول فيها في هذا التفسير إن قدر اللّه تعالى ذلك، وفيما ذكرنا هاهنا كفاية.
[سورة البقرة (٢) : آية ٧]
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧)
اعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى أنهم لا يؤمنون أخبر في هذه الآية بالسبب الذي لأجله لم يؤمنوا، وهو الختم، والكلام هاهنا يقع في مسائل :
المسألة الأولى : الختم والكتم أخوان، لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتم عليه كتماً له وتغطية، لئلا يتوصل إليه أو يطلع عليه، والغشاوة الغطاء فعالة من غشاه إذا غطاه، وهذا البناء لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة.
المسألة الثانية : اختلف الناس في هذا الختم، أما القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى فهذا الكلام على مذهبهم ظاهر، ثم لهم قولان، منهم من قال : الختم هو خلق الكفر في قلوب الكفار، ومنهم من قال هو خلق الداعية التي إذا انضمت إلى القدرة صار مجموع القدرة معها سبباً موجباً لوقوع الكفر، وتقريره أن القادر


الصفحة التالية
Icon