مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٠١
الإقرار إما أن يكون اختيارياً أو اضطرارياً، فإن كان اختيارياً، فإن كان صاحبه في مهلة النظر لم يلزمه الكفر، لكنه فعل ما لا يجوز حيث أخبر عما لا يدري أنه هل هو صادق فيه أم لا؟ وإن كان لا في مهلة النظر ففيه نظر، أما إذا كان اضطرارياً لم يكفر صاحبه، لأن توقفه إذا كان في مهلة النظر وكان يخاف على نفسه من ترك الإقرار لم يكن / عمله قبيحاً. القسم الثاني : القلب الخالي مع الإنكار باللسان وحكمه على العكس من حكم القسم العاشر القسم الثالث : القلب الخالي مع اللساني الخالي، فهذا إن كان في مهلة النظر فذاك هو الواجب، وإن كان خارجاً عن مهلة النظر وجب تكفيره ولا يحكم عليه بالنفاق ألبتة، فهذه هي الأقسام الممكنة في هذا الباب، وقد ظهر منه أن النفاق ما هو، وأنه الذي لا يطابق ظاهره باطنه سواء كان في باطنه ما يضاد ما في ظاهره أو كان باطنه خالياً عما يشعر به ظاهره، وإذا عرفت هذا ظهر أن قوله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ المراد منه المنافقون واللّه أعلم.
المسألة الثانية : اختلفوا في أن كفر الكافر الأصلي أقبح أم كفر المنافق؟ قال قوم كفر الكافر الأصلي أقبح، لأنه جاهل بالقلب كاذب باللسان، والمنافق جاهل بالقلب صادق باللسان. وقال آخرون بل المنافق أيضاً كاذب باللسان، فإنه يخبر عن كونه على ذلك الاعتقاد مع أنه ليس عليه، ولذلك قال تعالى : قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات : ١٤] وقال : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون : ١] ثم إن المنافق اختص بمزيد أمور منكرة. أحدها : أنه قصد التلبيس والكافر الأصلي ما قصد ذلك. وثانيها : أن الكافر على طبع الرجال، والمنافق على طبع الخنوثة. وثالثها : أن الكافر ما رضي لنفسه بالكذب بل استنكف منه ولم يرض إلا بالصدق، والمنافق رضي بذلك. ورابعها : أن المنافق ضم إلى كفره الاستهزاء بخلاف الكافر الأصلي، ولأجل غلظ كفره قال تعالى : إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء : ١٤٥]. وخامسها : قال مجاهد : إنه تعالى ابتدأ بذكر المؤمنين في أربع آيات، ثم ثنى بذكر الكفار في آيتين ثم ثلث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية، وذلك يدل على أن المنافق أعظم جرماً. وهذا بعيد، لأن كثرة الاقتصاص بخبرهم لا توجب كون جرمهم أعظم، فإن عظم فلغير ذلك، وهو ضمهم إلى الكفر وجوهاً من المعاصي كالمخادعة والاستهزاء، وطلب الغوائل إلى غير ذلك، ويمكن أن يجاب عنه بأن كثرة الاقتصاص بخبرهم تدل على أن الاهتمام بدفع شرهم أشد من الاهتمام بدفع شر الكفار، وذلك يدل على أنهم أعظم جرماً من الكفار.
المسألة الثالثة : هذه الآية دالة على أمرين : الأول : أنها تدل على أن من لا يعرف اللّه تعالى وأقر به فإنه لا يكون مؤمناً، لقوله : وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وقالت الكرامية : إنه يكون مؤمناً الثاني : أنها تدل على بطلان قول من زعم أن كل المكلفين عارفون باللّه، ومن لم يكن به عارفاً لا يكون مكلفاً أما الأول فلأن هؤلاء المنافقين لو كانوا عارفين باللّه وقد أقروا به لكان يجب أن يكون إقرارهم بذلك إيماناً، لأن من عرف اللّه تعالى وأقر به لا بد وأن يكون مؤمناً وأما الثاني فلأن غير العارف لو كان معذوراً لما ذم اللّه هؤلاء على عدم العرفان، فبطل قول من قال من المتكلمين : إن من لا يعرف هذه الأشياء يكون معذوراً.
المسألة الرابعة : ذكروا في اشتقاق لفظ الإنسان وجوهاً : أحدها : يروى عن ابن عباس / أنه قال : سمي إنساناً لأنه عهد إليه فنسي، وقال الشاعر. سميت إنساناً لأنك ناسي.


الصفحة التالية
Icon