مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣١٩
الموجود والمعدوم، واحتج أصحابنا بوجهين : الأول : قوله تعالى : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ.
[الأنعام : ١٩] والثاني : قوله تعالى : كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص : ٨٨] والمستثنى داخل في المستثنى منه فيجب أن يكون شيئاً.
المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور للّه تعالى خلافاً لأبي علي وأبي هاشم، وجه الاستدلال أن مقدور العبد شيء، وكل شيء مقدور للّه تعالى بهذه الآية فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدوراً للّه تعالى.
المسألة الرابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المحدث حال حدوثه مقدور للّه خلافاً للمعتزلة، فإنهم يقولون : الاستطاعة قبل الفعل محال، فالشيء إنما يكون مقدوراً قبل حدوثه، وبيان استدلال الأصحاب أن المحدث حال وجوده شيء، وكل شيء مقدور، وهذا الدليل يقتضي كون الباقي مقدوراً ترك العمل به فبقي معمولًا به في محل النزاع، لأنه حال البقاء مقدوره، على معنى أنه تعالى قادر على إعدامه، أما حال الحدوث، فيستحيل أن يقدر اللّه على إعدامه لاستحالة أن يصير معدوماً في أول زمان وجوده، فلم يبق إلا أن يكون قادراً على إيجاده.
المسألة الخامسة : تخصيص العام جائز في الجملة، وأيضاً تخصيص العام جائز بدليل العقل، لأن قوله :
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة : ٢٨٤] يقتضي أن يكون قادراً على نفسه ثم خص بدليل العقل، فإن قيل إذا كان اللفظ موضوعاً للكل ثم تبين أنه غير صادق في الكل كان هذا كذباً، وذلك يوجب الطعن في القرآن، قلنا :
لفظ الكل كما أنه يستعمل في المجموع. فقد يستعمل مجازاً في الأكثر، / وإذا كان ذلك مجازاً مشهوراً في اللغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذباً واللّه أعلم.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢١ إلى ٢٢]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)
[القول في إقامة الدلالة على التوحيد]
القول في إقامة الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد أما التوحيد فقوله :
اعلم أن في هذه الآيات مسائل :
المسألة الأولى : أن اللّه تعالى لما قدم أحكام الفرق الثلاثة، أعني المؤمنين والكفار والمنافقين أقبل عليهم بالخطاب، وهو من باب الالتفات المذكور في قوله تعالى : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وفيه فوائد :
أحدها : أن فيه مزيد هز وتحريك من السامع كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكياً عن ثالث : إن فلاناً من قصته كيت وكيت، ثم تخاطب ذلك الثالث فقلت : يا فلان من حقك أن تسلك الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، فهذا الانتقال من الغيبة إلى الحضور يوجب مزيد تحريك لذلك الثالث. وثانيها : كأنه سبحانه وتعالى يقول :
جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولًا ثم الآن أزيد في إكرامك وتقريبك، فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة، شرف المخاطبة والمكالمة. وثالثها : أنه مشعر بأن العبد إذا كان مشتغلًا بالعبودية فإنه


الصفحة التالية
Icon