مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٣٧
باطل من وجوه خمسة. الأول : الدفع إذا بلغ في القوة إلى هذا الحد فلم لا يحس به الواحد منا؟ الثاني : ما بال هذا الدفع لا يجعل حركة السحب والرياح إلى جهة بعينها. الثالث : ما باله لم يجعل انتقالها إلى المغرب أسهل من انتقالها إلى المشرق. الرابع : يجب أن يكون الثقيل كلما كان أعظم أن تكون حركته أبطأ، لأن اندفاع الأعظم من الدافع القاسر، أبطأ من اندفاع الأصغر. الخامس : يجب أن تكون حركة الثقيل النازل من الابتداء أسرع من حركته عند الانتهاء، لأنه عند الابتداء، أبعد من الفلك. وخامسها : أن الأرض بالطبع تطلب وسط الفلك، وهو قول أرسطاطاليس وجمهور أتباعه، وهذا أيضاً ضعيف، لأن الأجسام متساوية في الجسمية، فاختصاص البعض بالصفة التي لأجلها تطلب تلك الحالة لا بد وأن يكون جائزاً، فيفتقر فيه إلى الفاعل المختار. وسادسها : قال أبو هاشم : النصف الأسفل من الأرض فيه اعتمادات صاعدة، والنصف الأعلى فيه اعتمادات هابطة فتدافع الاعتمادان فلزم الوقوف. والسؤال عليه : أن اختصاص كل واحد من النصفين بصفة مخصوصة لا يمكن إلا بالفاعل المختار. فثبت بما ذكرنا أن سكون الأرض ليس إلا من اللّه تعالى. وعند هذا نقول : انظر إلى الأرض لتعرف أنها مستقرة بلا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها أما أنها لا علاقة فوقها فمشاهد، على أنها لو كانت معلقة بعلاقة لاحتاجت العلاقة إلى علاقة أخرى لا إلى نهاية، وبهذا الوجه ثبت أنه لا دعامة تحتها فعلمنا أنه لا بد من ممسك يمسكها بقدرته واختياره ولهذا قال اللّه تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر : ٤١].
الشرط الثاني : في كون الأرض فراشاً لنا أن لا تكون في غاية الصلابة كالحجر، فإن النوم والمشي عليه مما يؤلم البدن، وأيضاً فلو كانت الأرض من الذهب مثلًا لتعذرت الزراعة عليها، ولا يمكن اتخاذ الأبنية منه لتعذر حفرها وتركيبها كما يراد، وأن لا تكون في غاية اللين، كالماء الذي تغوص فيه الرجل : الشرط الثالث : أن لا تكون في غاية اللطافة والشفافية فإن الشفاف لا يستقر النور عليه، وما كان كذلك فإنه لا يتسخن من الكواكب والشمس، فكان يبرد جداً / فجعل اللّه كونه أغبر، ليستقر النور عليه فيتسخن فيصلح أن يكون فراشاً للحيوانات. الشرط الرابع : أن تكون بارزة من الماء، لأن طبع الأرض أن يكون غائصاً في الماء فكان يجب أن تكون البحار محيطة بالأرض، ولو كانت كذلك لما كانت فراشاً لنا، فقلب اللّه طبيعة الأرض وأخرج بعض جوانبها من الماء كالجزيرة البارزة حتى صلحت لأن تكون فراشاً لنا، ومن الناس من زعم أن الشرط في كون الأرض فراشاً أن لا تكون كرة، واستدل بهذه الآية على أن الأرض ليست كرة، وهذا بعيد جداً، لأن الكرة إذا عظمت جداً كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الاستقرار عليه، والذي يزيده تقريراً أن الجبال أوتاد الأرض ثم يمكن الاستقرار عليها، فهذا أولى واللّه أعلم.
المسألة الخامسة : في سائر منافع الأرض وصفاتها. فالمنفعة الأولى : الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية لا يعلم تفاصيلها إلا اللّه تعالى الثانية : أن يتخمر الرطب بها فيحصل التماسك في أبدان المركبات. الثالثة : اختلاف بقاع الأرض، فمنها أرض رخوة، وصلبة، ورملة، وسبخة، وحرة، وهي قوله تعالى : وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ [الرعد : ٤] وقال : وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف : ٥٨] الرابعة : اختلاف ألوانها فأحمر، وأبيض، وأسود، ورمادي اللون، وأغبر، على ما قال تعالى : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ [فاطر : ٢٧].


الصفحة التالية
Icon