مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٤٢
فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
وثانيها : أنهم قالوا : القمران، فجعلوا الشمس تابعة للقمر، ومنهم من فضل الشمس على القمر بأن اللّه تعالى قدمها على القمر في قوله : الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ [الرحمن : ٥]، وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشمس : ١، ٢] إلا أن هذه الحجة منقوضة بقوله : فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن : ٢] وقال :
لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ [الحشر : ٢٠] وقال : خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك : ٢] وقال : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح : ٦] وقال : فَمِنْهُمْ ظالِمٌ [فاطر : ٣٢] الآية. أما النجوم : ففيها منافع.
المنفعة الأولى : كونها رجوماً للشياطين، والثانية : معرفة القبلة بها، والثالثة : أن يهتدي بها المسافر في البر والبحر، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام : ٩٧] ثم النجوم على ثلاثة أقسام : غاربة لا تطلع كالكواكب الجنوبية، وطالعة لا تغرب كالشمالية، ومنها ما يغرب تارة ويطلع أخرى، وأيضاً منها ثوابت، ومنها سيارات، ومنها شرقية، ومنها غربية والكلام فيها طويل. أما الذي تدعيه الفلاسفة من معرفة الأجرام والأبعاد.
فدع عنك بحراً ضل فيه السوابح قال تعالى : عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن : ٢٦، ٢٧] وقال :
وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء : ٨٥] وقال : وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [هود : ٣١] وقال : ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف : ٥١] فقد عجز الخلق عن معرفة ذواتهم وصفاتهم فكيف يقدرون على معرفة أبعد الأشياء عنهم، والعرب مع بعدهم عن معرفة الحقائق عرفوا ذلك، قال قائلهم :
وأعرف ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمي
وقال لبيد :
فو اللّه ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما اللّه صانع
المسألة الرابعة : في شرح كون السماء بناء، قال الجاحظ : إذا تأملت في هذا العالم وجدته كالبيت المعد فيه كل ما يحتاج إليه، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منورة كالمصابيح والإنسان كمالك البيت المتصرف فيه، وضروب النبات مهيأة لمنافعه وضروب الحيوانات مصرفة في مصالحه، فهذه جملة واضحة دالة على أن العالم مخلوق بتدبير كامل وتقدير شامل وحكمة بالغة وقدرة غير متناهية واللّه أعلم.
أما قوله تعالى : وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فاعلم أن اللّه تعالى لما خلق الأرض وكانت كالصدف والدرة المودعة فيه آدم وأولاده، ثم علم اللّه أصناف حاجاتهم فكأنه قال يا آدم لا أحوجك إلى شيء غير هذه الأرض التي هي لك كالأم فقال : أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ / صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا [عبس : ٢٥، ٢٦] فانظر يا عبدي أن أعز الأشياء عندك الذهب والفضة، ولو أني خلقت الأرض من الذهب والفضة هل كان يحصل منها هذه المنافع، ثم إني جعلت هذه الأشياء في هذه الدنيا مع أنها سجن، فكيف