مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٥٢
جزم دل على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاطعاً في أمره، ورابعها : أنه وجد مخبر هذا الخبر على ذلك الوجه لأن من أيامه عليه الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا لم يخل وقت من الأوقات ممن يعادي الدين والإسلام وتشتد دواعيه في الوقيعة فيه. ثم إنه مع هذا الحرص الشديد لم توجد المعارضة قط، فهذه الوجوه الأربعة في الدلالة على المعجز مما تشتمل عليها هذه الآية، وذلك يدل / على فساد قول الجهال الذين يقولون إن كتاب اللّه لا يشتمل على الحجة والاستدلال، وهاهنا سؤالات. السؤال الأول : انتفاء إتيانهم بالسورة واجب، فهلا جيء بإذا الذي للوجوب دون «إن» الذي للشك الجواب فيه وجهان : أحدهما : أن يساق القول معهم على حسب حسبانهم، فإنهم كانوا بعد غير جازمين بالعجز عن المعارضة لاتكالهم على فصاحتهم واقتدارهم على الكلام. الثاني : أن يتهكم بهم كما يقول الموصوف بالقوة الواثق من نفسه بالغلبة على من يقاومه : إن غلبتك، وهو يعلم أنه غالبه تهكماً به. السؤال الثاني : لم قال : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولم يقل فإن لم تأتوا به؟
الجواب : لأن هذا أخصر من أن يقال فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله. السؤال الثالث :
وَلَنْ تَفْعَلُوا ما محلها؟ الجواب لا محل لها لأنها جملة اعتراضية. السؤال الرابع : ما حقيقة لن في باب النفي؟ الجواب : لا ولن أختان في نفي المستقبل إلا أن في «لن» توكيداً وتشديداً تقول لصاحبك : لا أقيم غداً عندك، فإن أنكر عليك قلت لن أقيم غداً، ثم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أصله لا أن، وهو قول الخليل. وثانيها :
لا، أبدلت ألفها نوناً، وهو قول الفراء، وثالثها : حرف نصب لتأكيد نفي المستقبل وهو قول سيبويه، وإحدى الروايتين عن الخليل. السؤال الخامس : ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله؟ الجواب :
إذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندم صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله : فَاتَّقُوا النَّارَ قائماً مقام قوله فاتركوا العناد، وهذا هو الإيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة وفيه تهويل لشأن العناد، لإنابة اتقاء النار منابه متبعاً ذلك بتهويل صفة النار. السؤال السادس : ما الوقود؟ الجواب : هو ما يوقد به النار وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح، قال سيبويه : وسمعنا من العرب من يقول وقدنا النار وقوداً عالياً، ثم قال والوقود أكثر، والوقود الحطب وقرأ عيسى بن عمر بالضم تسمية بالمصدر كما يقال فلان فخر قومه وزين بلده. السؤال السابع : صلة الذي يجب أن تكون قضية معلومة فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟
الجواب، لا يمنع أن يتقدم لهم بذلك سماع من أهل الكتاب، أو سمعوه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو سمعوا من قبل هذه الآية قوله في سورة التحريم : ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [التحريم : ٦]. السؤال الثامن : فلم جاءت النار الموصوفة بهذه الجملة منكرة في سورة التحريم وهاهنا معرفة؟ الجواب : تلك الآية نزلت بمكة فعرفوا منها ناراً موصوفة بهذه الصفة ثم نزلت هذه بالمدينة مستندة إلى ما عرفوه أولًا. السؤال التاسع : ما معنى قوله :
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ الجواب : أنها نار ممتازة من النيران بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، وذلك يدل على قوتها من وجهين : الأول : أن سائر النيران إذا أريد إحراق الناس بها أو إجماء الحجارة أوقدت أولًا بوقود ثم طرح فيها ما يراد إحراقه أو إحماؤه، وتلك أعاذنا اللّه منها برحمته الواسعة توقد بنفس ما تحرق. الثاني : أنها لإفراط حرها تتقد في الحجر.
السؤال العاشر : لم قرن الناس بالحجارة وجعلت الحجارة معهم وقوداً؟ الجواب : لأنهم قرنوا بها