مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٥٥
الطبيعة، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يظهر الحياة والرطوبة من حساوة التراب والماء؟ والثاني : لما قدر على جمع تلك الذرات المائية بعد تفرقها فلم لا يجوز جمع الأجزاء الترابية بعد تفرقها؟ والثالث : تسيير الرياح فإذا قدر على تحريك الرياح التي تضم بعض تلك الأجزاء المتجانسة إلى بعض فلم لا يجوز هاهنا؟ والرابع : أنه تعالى أنشأ السحاب لحاجة الناس إليه فههنا الحاجة إلى إنشاء المكلفين مرة أخرى ليصلوا إلى ما استحقوه من الثواب والعقاب أولى واعلم أن اللّه تعالى عبر عن هذه الدلالة في موضع آخر من كتابه فقال في الأعراف لما ذكر دلالة التوحيد : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي إلى قوله : قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف : ٥٦] ثم ذكر دليل الحشر فقال : وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ إلى قوله : كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف : ٥٧] ورابعها :
قوله : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ [الواقعة : ٧١، ٧٢] وجه الاستدلال أن النار صاعدة والشجرة هابطة، وأيضاً النار لطيفة، والشجرة كثيفة. وأيضاً النار نورانية والشجرة ظلمانية، والنار حارة يابسة والشجرة باردة رطبة، فإذا أمسك اللّه تعالى في داخل تلك الشجرة الأجزاء النورانية النارية فقد جمع بقدرته بين هذه الأشياء المتنافرة، فإذا لم يعجز عن ذلك فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها؟ واللّه تعالى ذكر هذه الدلالة في سورة يس فقال : الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً [يس : ٨٠].
واعلم أنه تعالى ذكر في هذه السورة أمر الماء والنار وذكر في النمل أمر الهواء بقوله : أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إلى قوله : أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [النمل : ٦٤] وذكر الأرض في الحج في قوله :
وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً [الحج : ٥] فكأنه سبحانه وتعالى بين أن العناصر الأربعة على جميع أحوالها شاهدة بإمكان الحشر والنشر. النوع الثاني : من الدلائل الدالة على إمكان الحشر : هو أنه تعالى يقول : لما كنت قادراً على الإيجاد أولًا فلأن أكون قادراً على الإعادة أولى. وهذه الدلالة تقريرها في العقل ظاهر، وأنه تعالى ذكرها في مواضع من كتابه، منها في البقرة : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة : ٢٨] ومنها قوله في سبحان الذي : وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُلْ كُونُوا حِجارَةً إلى قوله : قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الإسراء : ٤٩- ٥١] ومنها في العنكبوت : أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [العنكبوت : ١٩] ومنها قوله في الروم : وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى [الروم : ٢٧] ومنها في يس : قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس : ٧٩]، النوع الثالث : الاستدلال باقتداره على السموات على اقتداره على الحشر.
وذلك في آيات منها في سورة سبحان : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [الإسراء : ٩٩] وقال في يس : أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس : ٨١] وقال في الأحقاف : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأحقاف : ٣٣] ومنها في سورة ق : أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً إلى قوله : رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ [ق : ١١] ثم قال : أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق : ١٥] النوع الرابع : الاستدلال على وقوع الحشر بأنه لا بد من إثابة المحسن وتعذيب العاصي وتمييز أحدهما من الآخر بآيات، منها في يونس إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ [يونس : ٤] ومنها في طه : إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها