مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٦٩
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
أي يغري الملوم باللوم، والإضلال على هذا المعنى يجوز أن يضاف إلى اللّه تعالى على معنى أن الكافرين ضلوا بسبب الآيات المشتملة على الامتحانات ففي هذه الآية الكفار لما قالوا : ما الحاجة إلى الأمثال وما الفائدة فيها واشتد عليهم هذا الامتحان حسنت هذه الإضافة. وثانيها : أن الإضلال هو التسمية بالضلال فيقال أضله أي سماه ضالًا وحكم عليه به وأكفر فلان فلاناً إذا سماه كافراً وأنشدوا بيت الكميت :
وطائفة قد أكفروني بحبكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب
وقال طرفة :
وما زال شربي الراح حتى أضلني صديقي وحتى ساءني بعض ذلكا
أراد سماني ضالًا وهذا الوجه مما ذهب إليه قطرب وكثير من المعتزلة، ومن أهل اللغة من أنكره وقال إنما يقال ضللته تضليلًا إذا سميته ضالًا، وكذلك فسقته وفجرته إذا سميته فاجراً فاسقاً، وأجيب عنه بأنه متى صيره في نفسه ضالًا لزمه أن يصير محكوماً عليه بالضلال فهذا الحكم / من لوازم ذلك التصيير، وإطلاق اسم الملزوم على اللازم مجاز مشهور وأنه مستعمل أيضاً لأن الرجل إذا قال لآخر : فلان ضال جاز أن يقال له لم جعلته ضالًا ويكون المعنى لم سميته بذلك ولم حكمت به عليه فعلى هذا الوجه حملوا الإضلال على الحكم والتسمية. وثالثها : أن يكون الإضلال هو التخلية وترك المنع بالقهر والجبر، فيقال أضله إذا خلاه وضلاله قالوا ومن مجازه قولهم : أفسد فلان ابنه وأهلكه ودمر عليه إذا لم يتعهده بالتأديب، ومثله قول العرجي :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
ويقال لمن ترك سيفه في الأرض الندية حتى فسد وصدئ : أفسدت سيفك وأصدأته. ورابعها : الضلال والإضلال هو العذاب والتعذيب بدليل قوله تعالى : إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر : ٤٧، ٤٨] فوصفهم اللّه تعالى بأنهم يوم القيامة في ضلال وذلك لا يكون إلا عذابهم وقال تعالى : إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ [غافر : ٧١- ٧٤] فسر ذلك الضلال بالعذاب. وخامسها : أن يحمل الإضلال على الإهلاك والإبطال كقوله :
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [محمد : ١] قيل أبطلها وأهلكها ومن مجازه قولهم : ضل الماء في اللبن إذا صار مستهلكاً فيه ويقال أضللته أنا إذا فعلت ذلك به فأهلكته وصيرته كالمعدوم ومنه يقال أضل القوم ميتهم إذا واروه في قبره فأخفوه حتى صار لا يرى، قال النابغة :
وآب مضلوه بعين جلية وغودر بالجولان حزم ونائل
وقال تعالى : وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [السجدة : ١٠] أي أإذا اندفنا فيها فخفيت أشخاصنا فيحتمل على هذا المعنى يضل اللّه إنساناً أي يهلكه ويعدمه فتجوز إضافة الإضلال إليه تعالى على هذا الوجه، فهذه الوجوه الخمسة إذا حملنا الإضلال على الإضلال عن الدين. وسادسها : أن يحمل