مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٧٧
جميع كلامه ويشوشان كل شبهاته وباللّه التوفيق.
المسألة الثانية : اتفقوا على أن قوله : وَكُنْتُمْ أَمْواتاً المراد به وكنتم تراباً ونطفاً، لأن ابتداء خلق آدم من التراب وخلق سائر المكلفين من أولاده إلا عيسى عليه السلام من النطف، لكنهم اختلفوا في أن إطلاق اسم الميت على الجماد حقيقة أو مجاز والأكثرون على أنه مجاز لأنه شبه الموات بالميت وليس أحدهما من الآخر بسبيل لأن الميت ما يحل به الموت ولا بد وأن يكون بصفة من يجوز أن يكون حياً في العادة فيكون اللحمية والرطوبة وقال الأولون هو حقيقة فيه وهو مروي عن قتادة، قال كانوا أمواتاً في أصلاب آبائهم فأحياهم اللّه تعالى ثم أخرجهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم بعد الموت. فهما حياتان وموتتان واحتجوا بقوله : خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ [الملك : ٢] والموت المقدم على الحياة هو كونه مواتاً فدل على أن إطلاق الميت على الموات ثابت على سبيل الحقيقة والأول هو الأقرب، لأنه يقال في الجماد إنه موات وليس بميت فيشبه أن يكون استعمال أحدهما في الآخر على سبيل التشبيه قال القفال : وهو كقوله تعالى : هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً [الإنسان : ١] فبين سبحانه وتعالى أن الإنسان كان لا شيء يذكر فجعله اللّه حياً وجعله سميعاً بصيراً ومجازه من قولهم فلان ميت الذكر. وهذا أمر ميت، وهذه سلعة ميتة، إذا لم يكن لها طالب ولا ذاكر قال المخبل السعدي :
وأحييت لي ذكرى وما خاملا ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
فكذا معنى الآية : وَكُنْتُمْ أَمْواتاً أي خاملين ولا ذكر لكم لأنكم لم تكونوا شيئاً فَأَحْياكُمْ أي فجعلكم خلقاً سميعاً بصيراً.
المسألة الثالثة : احتج قوم بهذه الآية على بطلان عذاب القبر، قالوا لأنه تعالى بين أنه يحييهم مرة في الدنيا وأخرى في الآخرة ولم يذكر حياة القبر ويؤكده قوله : ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون : ١٥، ١٦] ولم يذكر حياة فيما بين هاتين الحالتين، قالوا ولا يجوز الاستدلال بقوله تعالى :
قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ [غافر : ١١] لأنه قول الكفار، ولأن كثيراً من الناس أثبتوا حياة الذر في صلب آدم عليه السلام حين استخرجهم وقال : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف : ١٧٢] وعلى هذا التقدير حصل حياتان وموتتان من غير حاجة إلى إثبات حياة في القبر، فالجواب لم يلزم من عدم الذكر في هذه الآية أن لا تكون حاصلة، وأيضاً فلقائل أن يقول : إن اللّه تعالى ذكر حياة القبر في هذه الآية. لأن قوله في يحييكم ليس هو الحياة الدائمة وإلا لم صح أن يقول : ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لأن كلمة ثم تقتضي التراخي، والرجوع إلى اللّه تعالى حاصل عقب الحياة / الدائمة من غير تراخ فلو جعلنا الآية من هذا الوجه دليلًا على حياة القبر كان قريباً.
المسألة الرابعة : قال الحسن رحمه اللّه قوله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ يعني به العامة، وأما بعض الناس فقد أماتهم ثلاث مرات نحو ما حكى في قوله : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها [البقرة : ٢٥٩] إلى قوله : فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ وكقوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [البقرة : ٢٤٣] وكقوله : فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ [البقرة : ٥٥، ٥٦] وكقوله : فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
[البقرة : ٧٣] وكقوله :
وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها [الكهف : ٢١] وكقوله في قصة أيوب


الصفحة التالية
Icon