مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٨٣
فيختلف زمان سير الشمس من أجله. الثاني : قول أهل الهند والصين وبابل وأكثر قدماء الروم ومصر والشام :
إن السبب فيه انتقال فلك البروج وارتفاع قطبه وانحطاطه، وحكي عن أبرخيس أنه كان يعتقد هذا الرأي وذكر بارياء الإسكندراني أن أصحاب الطلسمات كانوا يعتقدون ذلك وأن نقطة فلك البروج تتقدم عن موضعها وتتأخر ثمان درجات وقالوا إن ابتداء الحركة من «كب» درجة من الحوت إلى أول الحمل واعلم أن هذا الخبط مما ينبهك على أنه لا سبيل للعقول البشرية إلى إدراك هذه الأشياء وأنه لا يحيط بها إلا علم فاطرها وخالقها فوجب الاقتصار فيه على الدلائل السمعية، فإن قال قائل فهل يدل التنصيص على سبع سموات على نفي العدد الزائد؟
قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد.
المسألة السادسة :[في خلق الله تعالى الأرض والسماء متفرع على علمه واحاطته بجزئياتها وكلياتها] قوله تعالى : وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يدل على أنه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون خالقاً للأرض وما فيها وللسموات وما فيها من العجائب والغرائب إلا إذا كان عالماً بها محيطاً بجزئياتها وكلياتها، وذلك يدل على أمور : أحدها : فساد قول الفلاسفة الذين قالوا إنه لا يعلم الجزئيات وصحة قول المتكلمين، وذلك لأن المتكلمين استدلوا على علم اللّه تعالى بالجزئيات بأن قالوا : إن اللّه تعالى فاعل لهذه الأجسام على سبيل الإحكام والإتقان وكل فاعل على هذا الوجه فإن لا بد وأن يكون عالماً بما فعله وهذه الدلالة بعينها ذكرها اللّه تعالى في هذا الموضع لأنه ذكر خلق السموات والأرض ثم فرع على ذلك كونه عالماً، فثبت بهذا أن قول المتكلمين في هذا المذهب وفي هذا المذهب وفي هذ الاستدلال مطابق للقرآن. وثانيها : فساد قول المعتزلة وذلك لأنه سبحانه وتعالى بين أن الخالق للشيء على سبيل التقدير والتحديد لا بد وأن يكون عالماً به وبتفاصيله لأن خالقه قد خصه بقدر دون قدر والتخصيص بقدر معين لا بد وأن يكون بإرادة وإلا فقد حصل الرجحان من غير مرجح والإرادة مشروطة بالعلم فثبت أن خالق / الشيء لا بد وأن يكون عالماً به على سبيل التفصيل. فلو كان العبد موجداً لأفعال نفسه لكان عالماً بها وبتفاصيلها في العدد والكمية والكيفية فلما لم يحصل هذا العلم علمنا أنه غير موجد نفسه. وثالثها : قالت المعتزلة : إذا جمعت بين هذه الآية وبين قوله : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ظهر أنه تعالى عالم بذاته، والجواب : قوله تعالى : وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف : ٧٦] عام وقوله :
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء : ١٦٦] خاص والخاص مقدم على العام. واللّه تعالى أعلم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)
اعلم أن هذه الآية دالة على كيفية خلقة آدم عليه السلام وعلى كيفية تعظيم اللّه تعالى إياه فيكون ذلك إنعاماً عاماً على جميع بني آدم فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامة التي أوردها في هذا الموضع ثم فيه مسائل :
المسألة الأولى : في إذ قولان : أحدهما : أنه صلة زائدة إلا أن العرب يعتادون التكلم بها والقرآن نزل بلغة العرب. الثاني : وهو الحق أنه ليس في القرآن ما لا معنى له وهو نصب بإضمار اذكر، والمعنى أذكر لهم قال ربك للملائكة فأضمر هذا الأمرين : أحدهما : أن المعنى معروف. والثاني : أن اللّه تعالى قد كشف ذلك في كثير من المواضع كقوله : وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ [الأحقاف : ٢١] وقال : وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ