مفاتيح الغيب، ج ٢، ص : ٣٩٩
نبياً في ذلك الزمان، لكان قد صدرت المعصية عنه بعد النبوة. وذلك غير جائز، فوجب أن لا يكون نبياً في ذلك الزمان أما الملازمة فلأن صدور الزلة عنه كان بعد هذه الواقعة بالاتفاق وتلك الزلة من باب الكبائر على ما سيأتي شرحه إن شاء اللّه تعالى والإقدام على الكبيرة يوجب استحقاق الطرد والتحقير واللعن وكل ذلك على الأنبياء غير جائز فيجب أن يقال وقعت تلك الواقعة قبل النبوة. وثانيها : لو كان رسولًا في ذلك الوقت لكان إما أن يكون مبعوثاً إلى أحد أو لا يكون فإن كان مبعوثاً إلى أحد، فإما أن يكون مبعوثاً إلى الملائكة أو الإنس أو الجن والأول باطل لأن الملائكة عند المعتزلة أفضل من البشر ولا يجوز جعل الأدون رسولًا إلى الأشرف لأن الرسول والأمة تبع، وجعل الأدون متبوع الأشرف خلاف الأصل وأيضاً فالمرء إلى قبول القول ممن هو من جنسه أمكن ولهذا قال تعالى : وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الأنعام : ٩] ولا جائز أن يكون مبعوثاً إلى البشر، لأنه ما كان هناك أحد من البشر إلا حواء، وأن حواء إنما عرفت التكليف لا بواسطة آدم لقوله تعالى :
وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ [الأعراف : ١٩] شافههما بهذا التكليف وما جعل آدم واسطة ولا جائز أن يكون مبعوثاً إلى الجن لأنه ما كان في السماء أحد من الجن ولا جائز أيضاً أن يكون مبعوثاً إلى أحد لأن المقصود من جعله رسولًا التبليغ فحيث لا مبلغ لم يكن في جعله رسولًا فائدة وهذا الوجه ليس في غاية القوة. وثالثها : قوله تعالى : ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ [طه : ١٢٢] فهذه الآية دلت على أنه تعالى إنما اجتباه بعد الزلة فوجب أن يقال إنه قبل الزلة ما كان مجتبى، وإذا لم يكن ذلك الوقت مجتبى وجب أن لا يكون رسولًا لأن الرسالة والاجتباء متلازمان لأن الاجتباء لا معنى له إلا التخصيص بأنواع التشريفات وكل من جعله اللّه رسولًا فقد خصه بذلك لقوله تعالى :
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام : ١٢٤].
المسألة الخامسة : ذكروا في قوله : إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وجوهاً : أحدها : معناه أعلموني أسماء هؤلاء إن علمتم أنكم تكونون صادقين في ذلك الأعلام. وثانيها : معناه أخبروني ولا تقولوا إلا حقاً وصدقاً فيكون الغرض منه التوكيد لما نبههم عليه من القصور والعجز، لأنه متى تمكن في أنفسهم العلم بأنهم إن أخبروا لم يكونوا صادقين ولا لهم إليه سبيل علموا أن ذلك متعذر عليهم. وثالثها : إن كنتم صادقين في قولكم أنه لا شيء مما يتعبد به الخلق إلا وأنتم تصلحون وتقومون به وهو قول ابن عباس وابن مسعود. ورابعها : إن كنتم صادقين في قولكم إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء.
المسألة السادسة : هذه الآية دالة على فضل العلم فإنه سبحانه ما أظهر كمال حكمته في خلقه آدم عليه السلام إلا بأن أظهر علمه فلو كان في الإمكان وجود شيء من العلم أشرف من العلم لكان من الواجب إظهار فضله بذلك الشيء. لا بالعلم، واعلم أنه يدل على فضيلة العلم الكتاب والسنة والمنقول، أما الكتاب فوجوه :
الأول : أن اللّه تعالى سمى العلم بالحكمة ثم إنه تعالى عظم أمر الحكمة وذلك يدل على عظم شأن العلم، بيان أنه تعالى سمى العلم بالحكمة ما يروى عن مقاتل : أنه قال : تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه : أحدها :
مواعظ القرآن قال في البقرة : وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة : ٢٣١] يعني مواعظ القرآن وفي النساء : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
[النساء : ١١٣] يعني المواعظ ومثلها في آل عمران. وثانيها :
الحكمة بمعنى الفهم والعلم قوله تعالى / وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم : ١٢] وفي لقمان وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [لقمان : ١٢] يعني الفهم والعلم وفي الأنعام أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ [الأنعام : ٨٩]