مفاتيح الغيب، ج ٢٠، ص : ٣٣١
فهو سعي في تخريب العالم، فالأول ضد التعظيم لأمر اللّه تعالى، والثاني : ضد الشفقة على خلق اللّه تعالى وكلاهما مذموم. واللّه أعلم.
الوجه الخامس : أن قرابة الأولاد قرابة الجزئية والبعضية، وهي من أعظم الموجبات للمحبة فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح، وقسوة في القلب، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة، فرغب اللّه في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة.
المسألة الثانية : العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب، وقدرة البنين عليه / بسبب إقدامهم على النهب والغارة، وأيضا كانوا يخافون أن فقرها ينفر كفأها عن الرغبة فيها فيحتاجون إلى إنكاحها من غير الأكفاء، وفي ذلك عار شديد فقال تعالى : وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ وهذا لفظ عام للذكور والإناث، والمعنى : أن الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولدا، وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور وبين الإناث وأما ما يخاف من الفقر من البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر، وقد يخاف أيضا في العاجزين من البنين.
ثم قال تعالى : نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ يعني الأرزاق بيد اللّه تعالى فكما أنه تعالى فتح أبواب الرزق على الرجال، فكذلك يفتح أبواب الرزق على النساء.
المسألة الثالثة : الجمهور قرءوا إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً، أي إثما كبيرا يقال خطىء يخطأ خطأ مثل أثم يأثم إثما قال تعالى : إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ [يوسف : ٩٧] أي آثمين، وقرأ ابن عامر (خطأ) بالفتح يقال : أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ إذا أتى بما لا ينبغي من غير قصد، ويكون الخطأ اسما للمصدر، والمعنى : على هذه القراءة أن قتلهم ليس بصواب. قال القفال رحمه اللّه، وقرأ ابن كثير : خطاء بكسر الخاء ممدودة ولعلهما لغتان مثل دفع ودفاع ولبس ولباس.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
اعلم أنه تعالى لما أمر بالأشياء الخمسة التي تقدم ذكرها، وحاصلها يرجع إلى شيئين : التعظيم لأمر اللّه، والشفقة على خلق اللّه، أتبعها بذكر النهي عن أشياء. أولها : أنه تعالى نهى عن الزنا فقال : وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى قال القفال : إذا قيل للإنسان لا تقربوا هذا فهذا آكد من أن يقول له لا تفعله ثم إنه تعالى علل هذا النهي بكونه :
فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.
واعلم أن الناس قد اختلفوا في أنه تعالى إذا أمر بشيء أو نهى عن شيء فهل يصح أن يقال إنه تعالى إنما أمر بذلك الشيء أو نهى عنه لوجه عائد إليه أم لا؟ فقال القائلون بتحسين العقل وتقبيحه الأمر كذلك. وقال المنكرون لتحسين العقل وتقبيحه ليس الأمر كذلك، احتج القائلون بتحسين العقل وتقبيحه على صحة قولهم بهذه الآية قالوا إنه تعالى نهى عن الزنا، وعلل ذلك النهي بكونه فاحشة فيمتنع أن يكون كونه فاحشة عبارة عن كونه منهيا عنه وإلا لزم تعليل الشيء بنفسه وهو محال، فوجب أن يقال : كونه فاحشة وصف حاصل له باعتبار كونه زنا، وذلك يدل على أن الأشياء تحسن وتقبح لوجوه عائدة إليها في أنفسها، ويدل أيضا على أن نهي / اللّه تعالى عنها معلل بوقوعها في أنفسها على تلك الوجوه، وهذا الاستدلال قريب، والأولى أن يقال : إن كون الشيء في نفسه مصلحة أو مفسدة أمر ثابت لذاته لا بالشرع، فإن تناول الغذاء الموافق مصلحة، والضرب


الصفحة التالية
Icon