مفاتيح الغيب، ج ٢٠، ص : ٣٣٤
التقدير فتكون الآية نصا صريحا في تحريم القتل إلا بهذا السبب الواحد، فوجب أن يبقى على الحرمة فيما سوى هذه الصورة الواحدة.
والطريق الثاني : أن نقول : دلت السنة على أن ذلك الحق هو أحد أمور ثلاثة : وهو
قوله عليه السلام :«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق».
واعلم أن هذا الخبر من باب الآحاد. فإن قلنا : إن قوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً تفسير لقوله : إِلَّا بِالْحَقِّ كانت الآية صريحة في أنه لا يحل القتل إلا بهذا السبب الواحد، / فحينئذ يصير هذا الخبر مخصصا لهذه الآية ويصير ذلك فرعا لقولنا : إنه يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد، وأما إن قلنا : إن قوله : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ليس تفسيرا لقوله : إِلَّا بِالْحَقِّ فحينئذ يصير هذا الخبر مفسرا للحق المذكور في الآية، وعلى هذا التقدير لا يصير هذا فرعا على مسألة جواز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد فلتكن هذه الدقيقة معلومة واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : ظاهر هذه الآية أنه لا سبب لحل القتل إلا قتل المظلوم، وظاهر الخبر يقتضي ضم شيئين آخرين إليه : وهو الكفر بعد الإيمان، والزنا بعد الإحصان، ودلت آية أخرى على حصول سبب رابع وهو قوله تعالى : إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا [المائدة : ٣٣] ودلت آية أخرى على حصول سبب خامس وهو الكفر قال تعالى : قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة : ٢٩] وقال : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [النساء : ٨٩] والفقهاء تكلموا واختلفوا في أشياء أخرى فمنها : أن تارك الصلاة هل يقتل أم لا؟ فعند الشافعي رحمه اللّه يقتل، وعن أبي حنيفة رحمه اللّه لا يقتل.
وثانيها : أن فعل اللواط هل يوجب القتل؟ فعند الشافعي يوجب، وعند أبي حنيفة لا يوجب. وثالثها : أن الساحر إذا قال : قتلت بسحري فلانا فعند الشافعي يوجب القتل، وعند أبي حنيفة لا يوجب. ورابعها : أن القتل بالمثقل هل يوجب القصاص؟ فعند الشافعي يوجب وعند أبي حنيفة لا يوجب. وخامسها : أن الامتناع من أداء الزكاة هل يوجب القتل أم لا؟ اختلفوا فيه في زمان أبي بكر. وسادسها : أن إتيان البهيمة هل يوجب القتل، فعند أكثر الفقهاء لا يوجب، وعند قوم يوجب، حجة القائلين بأنه لا يجوز القتل في هذه الصور هو أن الآية صريحة في منع القتل على الإطلاق، إلا لسبب واحد وهو قتل المظلوم، ففيما عدا هذا السبب الواحد، وجب البقاء على أصل الحرمة، ثم قالوا : وهذا النص قد تأكد بالدلائل الكثيرة الموجبة لحرمة الدم على الإطلاق، فترك العمل بهذه الدلائل لا يكون إلا لمعارض، وذلك المعارض إما أن يكون نصا متواترا أو نصا من باب الآحاد أو يكون قياسا، أما النص المتواتر فمفقود، وإلا لما بقي الخلاف، وأما النص من باب الآحاد فهو مرجوح بالنسبة إلى هذه النصوص المتواترة الكثيرة، وأما القياس فلا يعارض النص. فثبت بمقتضى هذا الأصل القوي القاهر أن الأصل في الدماء الحرمة إلا في الصور المعدودة واللّه أعلم.
المسألة الرابعة : قوله تعالى : وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فيه بحثان :
البحث الأول : أن هذه الآية تدل على أنه أثبت لولي الدم سلطانا، فأما بيان أن هذه السلطنة تحصل فيما ذا فليس في قوله : فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً دلالة عليه ثم هاهنا طريقان : الأول : أنه تعالى لما قال بعده : فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ عرف أن تلك السلطنة إنما حصلت في استيفاء القتل، وهذا / ضعيف لاحتمال أن يكون


الصفحة التالية
Icon