مفاتيح الغيب، ج ٢٠، ص : ٣٤٥
من أثبت للّه شريكا ونظيرا نبه على طريقة من أثبت له الولد وعلى كمال جهل هذه الفرقة، وهي أنهم اعتقدوا أن الولد قسمان، فأشرف القسمين البنون، وأخسهما البنات. ثم إنهم أثبتوا البنين لأنفسهم مع علمهم بنهاية عجزهم ونقصهم وأثبتوا البنات للّه مع علمهم بأن اللّه تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له والجلال الذي لا غاية له، وذلك يدل على نهاية جهل القائل بهذا القول ونظيره قوله تعالى : أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور : ٣٩] وقوله : أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى [النجم : ٢١] وقوله : أَفَأَصْفاكُمْ يقال أصفاه بالشيء إذا آثر به، ويقال للضياع التي يستخصها السلطان بخاصية الصوافي. قال أبو عبيدة في قوله : أَفَأَصْفاكُمْ أفخصكم، وقال المفضل : أخلصكم. قال النحويون هذه الهمزة همزة تدل على الإنكار على صيغة السؤال عن مذهب ظاهر الفساد لا جواب لصاحبه إلا بما فيه أعظم الفضيحة.
ثم قال تعالى : إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً وبيان هذا التعظيم من وجهين : الأول : أن إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض، وذلك يقدح في كونه قديما واجب الوجود لذاته. وذلك عظيم من القول ومنكر من الكلام. والثاني : أن بتقدير ثبوت الولد فقد جعلتم أشرف القسمين لأنفسكم وأخس القسمين للّه. وهذا أيضا جهل عظيم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤١ إلى ٤٤]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣) تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
[في قوله تعالى وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ ] اعلم أن التصريف في اللغة عبارة عن صرف الشيء من جهة إلى جهة، نحو تصريف الرياح وتصريف الأمور هذا هو الأصل في اللغة، ثم جعل لفظ التصريف كناية عن التبيين، لأن من حاول بيان شيء فإنه يصرف كلامه من نوع إلى نوع آخر ومن مثال إلى مثال آخر ليكمل الإيضاح ويقوي البيان فقوله : وَلَقَدْ صَرَّفْنا أي بينا ومفعول التصريف محذوف وفيه وجوه : أحدها : ولقد صرفنا في هذا القرآن ضروبا من كل مثل. وثانيها : أن تكون لفظة «في» زائدة كقوله : وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [الأحقاف : ١٥] أي أصلح لي ذريتي. أما قوله :
لِيَذَّكَّرُوا ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ الجمهور لِيَذَّكَّرُوا بفتح الذال والكاف وتشديدهما، والمعنى : ليتذكروا فأدغمت التاء في الذال لقرب مخرجيهما، وقرأ حمزة والكسائي لِيَذَّكَّرُوا ساكنة الذال مضمومة الكاف، وفي سورة الفرقان مثله من الذكر قال الواحدي : والتذكر هاهنا أشبه من الذكر، لأن المراد منه التدبر والتفكر، وليس المراد منه الذكر الذي يحصل بعد النسيان. ثم قال : وأما قراءة حمزة والكسائي ففيها وجهان : الأول : أن الذكر قد جاء بمعنى التأمل والتدبر كقوله تعالى : خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ [البقرة : ٦٣] والمعنى : وافهموا ما فيه. والثاني : أن يكون المعنى صرفنا هذه الدلائل في هذا القرآن ليذكروه بألسنتهم فإن الذكر باللسان قد يؤدي إلى تأثر القلب بمعناه.