مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٣٨٢
قديمة فالقديم يمتنع تغيره لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ولما كان التغير على تلك الصفات المؤثرة في ذلك الاختصاص ممتنعا كان التغير في تلك الأشياء المقدرة ممتنعا فثبت بهذا البرهان صحة قوله تعالى : وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٨ إلى ٨١]
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١)
[في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : في النظم وجوه. الأول : أنه تعالى لما قرر أمر الإلهيات والمعاد والنبوات أردفها بذكر الأمر بالطاعات بعد الإيمان وأشرف الطاعات بعد الإيمان الصلاة فلهذا السبب أمر بها. الثاني : أنه تعالى لما قال : وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [الإسراء : ٧٦] أمره تعالى بالإقبال على عبادته لكي ينصره عليهم فكأنه قيل له لا تبال بسعيهم في إخراجك من بلدتك ولا تلتفت إليهم واشتغل بعبادة اللّه تعالى وداوم على أداء الصلوات فإنه تعالى يدفع مكرهم وشرهم عنك ويجعل يدك فوق أيديهم ودينك غالبا على أديانهم ونظيره قوله في سورة طه : فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها، وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى [طه : ١٣٠] وقال : وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر : ٩٧- ٩٩] والوجه الثالث : في تقرير النظم أن اليهود لما قالوا له اذهب إلى الشام فإنه مسكن الأنبياء عزم صلّى اللّه عليه وسلم على الذهاب إليه فكأنه قيل له المعبود واحد في كل البلاد وما النصرة والدولة إلا بتأييده ونصرته فداوم على الصلوات وارجع إلى مقرك ومسكنك وإذا دخلته ورجعت إليه فقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي في هذا البلد سلطانا نصيرا في تقرير دينك وإظهار شرعك واللّه أعلم.
المسألة الثانية : اختلف أهل اللغة والمفسرون في معنى دلوك الشمس على قولين. أحدهما : أن دلوكها غروبها وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة،
فنقل الواحدي في البسيط عن علي عليه السلام أنه قال : دلوك الشمس غروبها.
وروى زر بن حبيش أن عبد اللّه بن مسعود قال : دلوك الشمس غروبها، وروى سعيد بن جبير هذا القول عن ابن عباس وهذا القول اختيار الفراء وابن قتيبة من المتأخرين. والقول الثاني : أن دلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء وهو اختيار الأكثرين من الصحابة والتابعين واحتج القائلون بهذا القول على صحته بوجوه. الحجة الأولى :
روى الواحدي في البسيط عن جابر أنه قال :«طعم عندي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه ثم خرجوا حين زالت الشمس فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلم هذا حين دلكت الشمس».
الحجة الثانية :
روى صاحب «الكشاف» عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال :«أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر».
الحجة الثالثة : قال أهل اللغة معنى الدلوك في كلام العرب الزوال ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة، وقيل لها إذا أفلت دالكة لأنها في الحالتين زائلة. هكذا قاله الأزهري وقال القفال : أصل الدلوك


الصفحة التالية
Icon