مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٣٨٧
الْأَنْفالِ
[الأنفال : ١] ومعناها أيضا في هذه الآية الزيادة وفي تفسير كونها زيادة قولان مبنيان على أن صلاة الليل هل كانت واجبة على النبي صلّى اللّه عليه وسلم أم لا فمن الناس من قال إنها كانت واجبة عليه ثم نسخت فصارت نافلة، أي تطوعا وزيادة على الفرائض، وذكر مجاهد والسدي في تفسير كونها (نافلة) وجها حسنا قالا إنه تعالى غفر للنبي صلّى اللّه عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكل طاعة يأتي بها سوى المكتوبة فإنه لا يكون تأثيرها في كفارة الذنوب ألبتة بل يكون تأثيرها في زيادة الدرجات وكثرة الثواب وكان المقصود من تلك العبادة زيادة الثواب فلهذا سميت نافلة بخلاف الأمة، فإن لهم ذنوبا محتاجة إلى الكفارات فهذه الطاعة محتاجون إليها لتكفير الذنوب والسيئات فثبت أن هذه الطاعات إنما تكون زوائد ونوافل في حق النبي صلّى اللّه عليه وسلم لا في حق غيره فلهذا السبب قال : نافِلَةً لَكَ يعني أنها زوائد ونوافل في حقك لا في حق غيرك وتقريره ما ذكرناه. وأما الذين قالوا : إن صلاة الليل كانت واجبة على النبي صلّى اللّه عليه وسلم قالوا معنى كونها نافلة له على التخصيص أنها فريضة عليك زائدة على الصلوات الخمس خصصت بها من بين أمتك ويمكن نصرة هذا القول بأن قوله فتهجد / أمر وصيغة الأمر للوجوب فوجب كون هذا التهجد واجبا فلو حملنا قوله : نافِلَةً لَكَ على عدم الوجوب لزم التعارض وهو خلاف الأصل فوجب أن يكون معنى كونها نافلة له ما ذكرناه من كون وجوبها زائدا على وجوب الصلوات الخمس واللّه أعلم.
البحث الخامس : قوله : أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ وإن كان ظاهر الأمر فيه مختصا بالرسول صلّى اللّه عليه وسلم إلا أنه في المعنى عام في حق الأمة والدليل عليه أنه قال : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ فبين أن الأمر بالتهجد مخصوص بالرسول وهذا يدل على أن الأمر بالصلاة الخمس غير مخصوص بالرسول عليه السلام وإلا لم يكن لتقييد الأمر بالتهجد بهذا القيد فائدة أصلا واللّه أعلم. ثم قال تعالى : عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً اتفق المفسرون على أن كلمة عسى من اللّه واجب قال أهل المعاني لأن لفظة عسى تفيد الأطماع ومن أطمع إنسانا في شيء ثم حرمه كان عارا واللّه تعالى أكرم من أن يطمع أحدا في شيء ثم لا يعطيه ذلك.
وقوله : مَقاماً مَحْمُوداً فيه بحثان :
البحث الأول : في انتصاب قوله مَحْمُوداً وجهان. الأول : أن يكون انتصابه على الحال من قوله يَبْعَثَكَ أي يبعثك محمودا. والثاني : أن يكون نعتا للمقام وهو ظاهر.
البحث الثاني : في تفسير المقام المحمود أقوال. الأول : أنه الشفاعة قال الواحدي أجمع المفسرون على أنه مقام الشفاعة كما
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم في هذه الآية «هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي».
وأقول اللفظ مشعر به وذلك لأن الإنسان إنما يصير محمودا إذا حمده حامد والحمد إنما يكون على الانعام فهذا المقام المحمود يجب أن يكون مقاما أنعم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيه على قوم فحمدوه على ذلك الإنعام وذلك الإنعام لا يجوز أن يكون هو تبليغ الدين وتعليم الشرع لأن ذلك كان حاصلا في الحال وقوله : عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً تطميع وتطميع الإنسان في الشيء الذي وعده في الحال محال فوجب أن يكون ذلك الانعام الذي لأجله يصير محمودا إنعاما سيصل منه حصل له بعد ذلك إلى الناس وما ذاك إلا شفاعته عند اللّه فدل هذا على أن لفظ الآية وهو قوله : عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً يدل على هذا المعنى وأيضا التنكير في قوله : مَقاماً مَحْمُوداً يدل على أنه يحصل للنبي عليه السلام في ذلك المقام حمد بالغ عظيم كامل ومن المعلوم أن حمد الإنسان على سعيه في التخليص عن العقاب أعظم من حمده في السعي في زيادة من الثواب لا حاجة به إليها لأن احتياج الإنسان