مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٣٨٩
اللّه صلّى اللّه عليه وسلم منها ثم أمره اللّه بأن يرجع إليها كان المراد أنه عليه الصلاة والسلام عند العود إلى المدينة قال : رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وهو المدينة- وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يعني أخرجني منها إلى مكة مخرج صدق أي افتحها لي. والقول الثاني : في تفسير هذه الآية وهو أكمل مما سبق أن المراد وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي- في الصلاة- وَأَخْرِجْنِي منها مع الصدق والإخلاص وحضور ذكرك والقيام بلوازم شكرك. والقول الثالث : وهو أكمل مما سبق أن المراد : وقل رب أدخلني- في القيام بمهمات أداء دينك وشريعتك- وأخرجني منها بعد الفراغ منها إخراجا لا يبقى علي منها تبعة ربقية. والقول الرابع : وهو أعلى مما سبق : وقل رب أدخلني في بحار دلائل توحيدك وتنزيهك وقدسك ثم أخرجني من الاشتغال بالدليل إلى ضياء معرفة المدلول ومن التأمل في آثار حدوث المحدثات إلى الاستغراق في معرفة الأحد الفرد المنزه عن التكثيرات والتغيرات. والقول الخامس : أدخلني في كل ما تدخلني فيه مع الصدق في عبوديتك والاستغراق بمعرفتك وأخرجني عن كل ما تخرجني عنه مع الصدق في العبودية والمعرفة والمحبة والمقصود منه أن يكون صدق العبودية حاصلا في كل دخول وخروج وحركة وسكون. والقول السادس : أدخلني القبر مدخل صدق وأخرجني منه مخرج صدق.
البحث الثاني : مُدْخَلَ بضم الميم مصدر كالإدخال يقال أدخلته مدخلا كما قال : وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [المؤمنون : ٢٩] ومعنى إضافة المدخل والمخرج إلى الصدق مدحهما كأنه سأل اللّه تعالى إدخالا حسنا وإخراجا حسنا لا يرى فيهما ما يكره ثم قال تعالى : وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أي حجة بينة ظاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني. وبالجملة فقد سأل اللّه تعالى أن يرزقه التقوية على من خالفه بالحجة وبالقهر والقدرة، وقد أجاب اللّه تعالى دعاءه وأعلمه بأنه يعصمه من الناس فقال : وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة : ٦٧] وقال : أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة : ٢٢] وقال : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة : ٣٣] ولما سأل اللّه النصرة بين اللّه له أنه أجاب دعاءه فقال : وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وهو دينه وشرعه- وَزَهَقَ الْباطِلُ وهو كل ما سواه من الأديان والشرائع، وزهق بطل واضمحل، وأصله من زهقت نفسه تزهق أي هلكت، وعن ابن مسعود :«أنه دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل فجعل الصنم ينكب على وجهه».
وقوله : إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً يعني أن الباطل وإن اتفقت له دولة وصولة إلا أنها الا تبقى بل تزول على أسرع الوجوه واللّه أعلم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٨٢ إلى ٨٤]
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)
[في قوله تعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً] اعلم أنه تعالى لما أطنب في شرح الإلهيات والنبوات والحشر والمعاد والبعث وإثبات القضاء والقدر ثم أتبعه بالأمر بالصلاة ونبه على ما فيها من الأسرار، وإنما ذكر كل ذلك في القرآن أتبعه ببيان كون القرآن شفاء ورحمة فقال : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ ولفظة (من) هاهنا ليست للتبعيض بل هي للجنس كقوله : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج : ٣٠] والمعنى وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء. فجميع القرآن شفاء للمؤمنين، واعلم أن القرآن شفاء من الأمراض الروحانية، وشفاء أيضا من الأمراض الجسمانية، أما كونه شفاء من الأمراض الروحانية فظاهر، وذلك لأن الأمراض الروحانية نوعان : الاعتقادات


الصفحة التالية
Icon