مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٣٩٨
يقول الروح عبارة عن أجزاء نارية مختلطة بهذه الأرواح القلبية والدماغية وتلك الأجزاء النارية وهي المسماة بالحرارة الغريزية وهي الإنسان، ومن الناس من يقول الروح عبارة عن أجسام نورانية سماوية لطيفة، والجوهر على طبيعة ضوء الشمس وهي لا تقبل التحلل والتبدل ولا التفرق ولا التمزق فإذا تكون البدن وتم استعداده وهو المراد بقوله : فَإِذا سَوَّيْتُهُ نفذت تلك الأجسام الشريفة السماوية الإلهية في داخل أعصاء البدن نفاذ النار في الفحم ونفاذ دهن السمسم في السمسم، ونفاذ ماء الورد في جسم الورد، ونفاذ تلك الأجسام السماوية في جوهر البدن هو المراد بقوله : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص : ٧٢] ثم إن البدن ما دام يبقى سليما قابلا لنفاذ تلك الأجسام الشريفة بقي حيا، فإذا تولدت في البدن أخلاط غليظة منعت تلك الأخلاط الغليظة من سريان تلك الأجسام الشريفة فيها فانفصلت عن هذا البدن فحينئذ يعرض الموت، فهذا مذهب قوي شريف يجب التأمل فيه فإنه شديد المطابقة لما ورد في الكتب الإلهية من أحوال الحياة والموت، فهذا تفصيل مذاهب القائلين بأن الإنسان جسم موجود في داخل البدن، وأما أن الإنسان جسم موجود خارج البدن فلا أعرف أحدا ذهب إلى هذا القول. أما القسم الثاني : وهو أن يقال الإنسان عرض حال في البدن، فهذا لا يقول به عاقل لأن من المعلوم بالضرورة أن الإنسان جوهر لأنه موصوف بالعلم والقدرة والتدبر والتصرف، ومن كان كذلك كان جوهرا والجوهر لا يكون عرضا بل الذي يمكن أن يقول به كل عاقل هو أن الإنسان يشترط أن يكون موصوفا بأعراض مخصوصة، وعلى هذا التقدير فللناس فيه أقوال. القول الأول : أن العناصر الأربعة إذا امتزجت وانكسرت سورة كل واحدة منها بسورة الآخر حصلت كيفية معتدلة هي المزاج.
ومراتب هذا المزاج غير متناهية فبعضها هي الإنسانية وبعضها هي الفرسية، فالإنسانية عبارة عن أجسام موصوفة متولدة عن امتزاجات أجزاء العناصر بمقدار مخصوص، هذا قول جمهور الأطباء ومنكري بقاء النفس وقول أبي الحسين البصري من المعتزلة. والقول الثاني : أن الإنسان عبارة عن أجسام مخصوصة بشرط كونها موصوفة بصفة الحياة والعلم والقدرة والحياة عرض قائم بالجسم وهؤلاء أنكروا الروح والنفس وقالوا ليس ها هنا إلا أجسام مؤتلفة موصوفة بهذه الأعراض المخصوصة وهي الحياة والعلم والقدرة، وهذا مذهب أكثر شيوخ المعتزلة. والقول الثالث : أن الإنسان عبارة عن أجسام موصوفة بالحياة والعلم والقدرة والإنسان إنما يمتاز عن سائر الحيوانات بشكل جسده / وهيئة أعضائه وأجزائه إلا أن هذا مشكل فإن الملائكة قد يتشبهون بصور الناس فهاهنا صورة الإنسان حاصلة مع عدم الإنسانية وفي صورة المسخ معنى الإنسانية حاصل مع أن هذه الصورة غير حاصلة فقد بطل اعتبار هذا الشكل في حصول معنى الإنسانية طردا وعكسا. أما القسم الثالث : وهو أن يقال الإنسان موجود ليس بجسم ولا جسمانية فهو قول أكثر الإلهيين من الفلاسفة القائلين ببقاء النفس المثبتين للنفس معادا روحانيا وثوابا وعقابا وحسابا روحانيا وذهب إليه جماعة عظيمة من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي القاسم الراغب الأصفهاني والشيخ أبي حامد الغزالي رحمهما اللّه، ومن قدماء المعتزلة معمر بن عباد السلمي، ومن الشيعة الملقب عندهم بالشيخ المفيد، ومن الكرامية جماعة، واعلم أن القائلين بإثبات النفس فريقان، الأول : وهم المحققون منهم من قال الإنسان عبارة عن هذا الجوهر المخصوص، وهذا البدن وعلى هذا التقدير فالإنسان غير موجود في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل بالعالم ولا منفصل عنه، ولكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف كما أن إله العالم لا تعلق له بالعالم إلا على سبيل التصرف والتدبير.
والفريق الثاني : الذين قالوا النفس إذا تعلقت بالبدن اتحدت بالبدن فصارت النفس عين البدن، والبدن عين


الصفحة التالية
Icon