مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤١٣
المسألة الثانية : قوله : لَوْ أَنْتُمْ فيه بحث يتعلق بالنحو وبحث آخر يتعلق بعلم البيان، أما البحث النحوي : فهو أن كلمة «لو» من شأنها أن تختص بالفعل لأن كلمة «لو» تفيد انتفاء الشيء / لانتفاء غيره والاسم يدل على الذوات والفعل هو الذي يدل على الآثار والأحوال والمنتفى هو الأحوال والآثار لا الذوات فثبت أن كلمة «لو» مختصة بالأفعال وأنشدوا قول المتلمس :
لو غير أخوالي أرادوا نقيصتي نصبت لهم فوق العرانين مأتما
والمعنى لو أراد غير أخوالي وأما البحث المتعلق بعلم البيان فهو أن التقديم بالذكر يدل على التخصيص فقوله : أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ دلالة على أنهم هم المختصون بهذه الحالة الخسيسة والشح الكامل.
المسألة الثالثة : خزائن فضل اللّه ورحمته غير متناهية فكان المعنى أنكم لو ملكتم من الخير والنعم خزائن لا نهاية لها لبقيتم على الشح وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشيء ثم قال تعالى : وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي بخيلا يقال قتر يقتر قترا وأقتر إقتارا وقتر تقتيرا إذا قصر في الانفاق فإن قيل فقد دخل في الإنسان الجواد الكريم فالجواب من وجوه. الأول : أن الأصل في الإنسان البخل لأنه خلق محتاجا والمحتاج لا بد أن يحب ما به يدفع الحاجة وأن يمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود به لأسباب من خارج فثبت أن الأصل في الإنسان البخل.
الثاني : أن الإنسان إنما يبذل لطلب الثناء والحمد وللخروج عن عهدة الواجب فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض فهو في الحقيقة بخيل. الثالث : إن المراد بهذا الإنسان المعهود السابق : وهم الذين قالوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء : ٩٠].
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ إلى ١٠٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)
في الآية مسائل :
[في قوله تعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ ] المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من هذا الكلام أيضا الجواب عن قولهم : لن نؤمن لك / حتى تأتينا بهذه المعجزات القاهرة فقال تعالى إنا آتينا موسى معجزات مساوية لهذه الأشياء التي طلبتموها بل أقوى منها وأعظم فلو حصل في علمنا أن جعلها في زمانكم مصلحة لفعلناها كما فعلنا في حق موسى فدل هذا على إنا إنما لم نفعلها في زمانكم لعلمنا أنه لا مصلحة في فعلها.
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى ذكر في القرآن أشياء كثيرة من معجزات موسى عليه الصلاة والسلام.
أحدها : أن اللّه تعالى أزال العقدة من لسانه قيل في التفسير ذهبت العجمة وصار فصيحا. وثانيها : انقلاب العصا حية. وثالثها : تلقف الحية حبالهم وعصيهم مع كثرتها. ورابعها : اليد البيضاء. وخمسة أخر وهي الطوفان


الصفحة التالية
Icon