مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤١٦
كذلك كانت عاقبة الدمار والثبور. ثم قال تعالى : فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني أراد فرعون أن يخرجهم يعني موسى وقومه بني إسرائيل، ومعنى تفسير الاستفزاز تقدم «١» في هذه السورة من الأرض يعني أرض مصر، قال الزجاج : لا يبعد أن يكون المراد من استفزازهم إخراجهم منهم بالقتل أو بالتنحية ثم قال :
فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً المعنى ما ذكره اللّه تعالى في قوله : وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر : ٤٣] أراد فرعون أن يخرج موسى من أرض مصر لتخلص له تلك البلاد واللّه تعالى أهلك فرعون وجعل ملك مصر خالصة لموسى ولقومه وقال لبني إسرائيل اسكنوا الأرض خالصة لكم خالية من عدوكم قال تعالى :
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ يريد القيامة جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً من هاهنا وهاهنا، واللفيف الجمع العظيم من أخلاط شتى من الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف. وكل شيء خلطته بشيء آخر فقد لففته، ومنه قيل لففت الجيوش إذا ضربت بعضها ببعض وقوله التفت الزحوف ومنه، الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، [القيامة : ٢٩] والمعنى جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر أخلاطا يعني جميع الخلق المسلم والكافر والبر والفاجر.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠٥ إلى ١٠٩]
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩)
[في قوله تعالى وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً] اعلم أنه تعالى لما بين أن القرآن معجز قاهر دال على الصدق في قوله : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ [الإسراء : ٨٨] ثم حكى عن الكفار أنهم لم يكتفوا بهذا المعجز بل طلبوا سائر المعجزات، ثم أجاب اللّه بأنه لا حاجة إلى إظهار سائر المعجزات وبين ذلك بوجوه كثيرة، منها أن قوم موسى عليه الصلاة والسلام آتاهم اللّه تسع آيات بينات فلما جحدوا بها أهلكهم اللّه فكذا هاهنا، ثم إنه تعالى لو آتى قوم محمد تلك المعجزات التي اقترحوها ثم كفروا بها وجب إنزال عذاب الاستئصال بهم وذلك غير جائز في الحكمة لعلمه تعالى أن منهم من يؤمن والذي لا يؤمن فسيظهر من نسله من يصير مؤمنا، ولما تم هذا الجواب عاد إلى تعظيم حال القرآن وجلالة درجته فقال : وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ والمعنى أنه ما أردنا بإنزاله إلا تقرير الحق والصدق وكما أردنا هذا المعنى فكذلك وقع هذا المعنى وحصل وفي هذه الآية فوائد. الفائدة الأولى : أن الحق هو الثابت الذي لا يزول كما أن الباطل هو الزائل الذاهب، وهذا الكتاب الكريم مشتمل على أشياء لا تزول وذلك لأنه مشتمل على دلائل التوحيد وصفات الجلال والإكرام وعلى تعظيم الملائكة وتقرير نبوة الأنبياء وإثبات الحشر والنشر والقيامة وكل ذلك مما لا يقبل الزوال ومشتمل أيضا على شريعة باقية لا يتطرق إليها النسخ والنقض والتحريف، وأيضا فهذا الكتاب كتاب تكفل اللّه بحفظه عن تحريف الزائغين وتبديل الجاهلين كما قال : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر : ٩] فكان هذا الكتاب حقا من كل الوجوه.
الفائدة الثانية : أن قوله : وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ يفيد الحصر / ومعناه أنه ما أنزل لمقصود آخر سوى إظهار الحق وقالت المعتزلة، وهذا يدل على أنه ما قصد بإنزاله إضلال أحد من الخلق ولا إغواؤه ولا منعه عن دين اللّه. الفائدة

(١) يريد تفسير معنى الاستفزاز فقلب، ولعلها حرفت إلى ما تراه.


الصفحة التالية
Icon