مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٢٧
المسألة الثانية : اختلفوا في تفسير هذه الزينة فقال بعضهم النبات والشجر وضم بعضهم إليه الذهب والفضة والمعادن، وضم بعضهم إلى سائر الحيوانات وقال بعضهم بل المراد الناس فهم زينة الأرض. وبالجملة فليس بالأرض إلا المواليد الثلاثة وهي المعادن والنبات والحيوان، وأشرف أنواع الحيوان الإنسان. وقال القاضي : الأولى أنه لا يدخل في هذه الزينة المكلف لأنه تعالى قال : إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ فمن يبلوه يجب أن لا يدخل في ذلك فأما سائر النبات والحيوان فإنهم يدخلون فيه كدخول سائر ما ينتفع به، وقوله : زِينَةً لَها أي للأرض ولا يمتنع أن يكون ما يحسن به الأرض زينة للأرض كما جعل اللّه السماء مزينة بزينة الكواكب. أما قوله : لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ذهب هشام بن الحكم إلى أنه تعالى لا يعلم الحوادث إلا عند دخولها في الوجود، فعلى هذا الابتلاء والامتحان على اللّه جائز، واحتج عليه بأنه تعالى لو كان عالما بالجزئيات قبل وقوعها لكان كل ما علم وقوعه واجب الوقوع وكل ما علم عدمه ممتنع الوقوع وإلا لزم انقلاب علمه جهلا وذلك محال والمفضي إلى المحال محال ولو كان ذلك واجبا فالذي علم وقوعه يجب كونه فاعلا له ولا قدرة له على الترك والذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع ولا قدرة له على الفعل وعلى هذا يلزم أن لا يكون اللّه قادرا على شيء أصلا بل يكون موجبا بالذات وأيضا فيلزم أن لا يكون للعبد قدرة لا على الفعل ولا على الترك لأن ما علم اللّه وقوعه امتنع من العبد تركه وما علم اللّه عدمه امتنع منه فعله، فالقول بكونه تعالى عالما بالأشياء قبل وقوعها يقدح في الربوبية وفي العبودية وذلك باطل فثبت أنه تعالى إنما يعلم الأشياء عند وقوعها وعلى هذا التقدير فالابتلاء والامتحان والاختبار جائز عليه وعند هذا قال : يجري قوله تعالى : لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا على ظاهره. وأما جمهور علماء الإسلام فقد استبعدوا هذا القول وقالوا : إنه تعالى من الأزل إلى الأبد عالم بجميع الجزئيات فالابتلاء والامتحان محالان عليه وأينما وردت هذه الألفاظ فالمراد أنه تعالى يعاملهم معاملة لو صدرت تلك المعاملة عن غيره لكان ذلك على سبيل الابتلاء والامتحان وقد ذكرنا هذه المسألة مرارا كثيرة.
المسألة الثانية : قال القاضي : معنى قوله : لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا هو أنه يبلوهم ليبصرهم أيهم أطوع للّه وأشد استمرارا على خدمته لأن من هذا حاله هو الذي يفوز بالجنة فبين تعالى أنه كلف لأجل ذلك لا لأجل أن يعصى، فدل ذلك على بطلان قول من يقول : خلق بعضهم للنار.
المسألة الثالثة : اللام في قوله : لِنَبْلُوَهُمْ تدل ظاهرا على أن أفعال اللّه معللة بالأغراض عند المعتزلة، وأصحابنا قالوا : هذا محال لأن التعليل بالغرض إنما يصح في حق من لا يمكنه تحصيل ذلك الغرض إلا بتلك الواسطة، وهذا يقتضي العجز وهو على اللّه محال.
المسألة الرابعة : قال الزجاج أَيُّهُمْ رفع بالابتداء إلا أن لفظه لفظ الاستفهام، والمعنى لنختبر ونمتحن هذا أحسن عملا أم ذاك، ثم قال تعالى : وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً والمعنى أنه تعالى بين أنه إنما زين الأرض لأجل الامتحان والابتلاء لا لأجل أن يبقى الإنسان فيها متنعما أبدا لأنه يزهد فيها بقوله : وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها الآية ونظيره قوله : كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن : ٢٦] وقوله : فَيَذَرُها قاعاً [طه : ١٠٦] الآية، وقوله : وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ [الإنشقاق : ٣] الآية. والمعنى أنه لا بد من المجازاة بعد فناء ما على الأرض، وتخصيص الإبطال والإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض إلا أن سائر الآيات دلت


الصفحة التالية
Icon