مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٢٩
المسألة الثالثة : الكهف الغار الواسع في الجبل فإذا صغر فهو الغار، وفي الرقيم أقوال. الأول : روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : كل القرآن اعلمه إلا أربعة غسلين وحنانا والأواه والرقيم. الثاني : روى عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الرقيم فقال زعم كعب أنها القرية التي خرجوا منها وهو قول السدي.
الثالث : قال سعيد بن جبير ومجاهد : الرقيم لوح من حجارة وقيل من رصاص كتب فيه أسماؤهم وقصتهم وشد ذلك اللوح على باب الكهف، وهذا قول جميع أهل المعاني والعربية قالوا الرقيم الكتاب، والأصل فيه المرقوم، ثم نقل إلى فعيل، والرقم الكتابة، ومنه قوله تعالى : كِتابٌ مَرْقُومٌ [المطففين : ٩] أي مكتوب، قال الفراء : الرقيم لوح كان فيه أسماؤهم وصفاتهم، ونظن أنه إنما سمي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه، وقيل الناس رقموا حديثهم نقرا في جانب الجبل، وقوله : كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً المراد أحسبت أن واقعتهم كانت عجيبة في / أحوال مخلوقاتنا فلا تحسب ذلك فإن تلك الواقعة ليست عجيبة في جانب مخلوقاتنا، والعجب هاهنا مصدر سمي المفعول به، والتقدير كانوا معجوبا منهم، فسموا بالمصدر والمفعول به من هذا يستعمل باسم المصدر، ثم قال تعالى : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ لا يجوز أن يكون إذ هنا متعلقا بما قبله على تقدير أم حسبت إذ أوى الفتية لأنه كان بين النبي وبينهم مدة طويلة فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف بل يتعلق بمحذوف، والتقدير اذكر إذ أوى، ومعنى أوى الفتية في الكهف صاروا إليه وجعلوه مأواهم قال فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهي الهداية بالمعرفة والصبر والرزق والأمن من الأعداء وقوله : مِنْ لَدُنْكَ يدل على عظمة تلك الرحمة وهي التي تكون لائقة بفضل اللّه تعالى وواسع جوده وَهَيِّئْ لَنا أي أصلح من قولك هيأت الأمر فتهيأ : مِنْ أَمْرِنا رَشَداً الرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان. الأول : التقدير وهيئ لنا أمرا ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين.
الثاني : اجعل أمرنا رشدا كله كقولك رأيت منك رشدا ثم قال تعالى : فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ قال المفسرون :
معناه أنمناهم وتقدير الكلام أنه تعالى ضرب على آذانهم حجابا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة والتقدير ضربنا عليهم حجابا إلا أنه حذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة ثم إنه تعالى بين أنه ضرب على آذانهم في الكهف وهو ظرف المكان وقوله : سِنِينَ عَدَداً ظرف الزمان وفي قوله : عَدَداً بحثان. الأول : قال الزجاج ذكر العدد هاهنا يفيد كثرة السنين وكذلك كل شيء مما يعد إذا ذكر فيه العدد ووصف به أريد كثرته لأنه إذا قل فهم مقداره بدون التعديد أما إذا أكثر فهناك يحتاج إلى التعديد فإذا قلت أقمت أياما عددا أردت به الكثرة.
البحث الثاني : في انتصاب قوله عَدَداً وجهان. أحدهما : نعت لسنين المعنى سنين ذوات عدد أي معدودة هذا قول الفراء وقول الزجاج وعلى هذا يجوز في الآية ضربان من التقدير، أحدهما : حذف المضاف. والثاني :
تسمية المفعول باسم المصدر. قال الزجاج : ويجوز أن ينتصب على المصدر، المعنى تعد عدا ثم قال تعالى :
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ يريد من بعد نومهم يعني أيقظناهم بعد نومهم وقوله : لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً فيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ اللام لام الغرض فيدل على أن أفعال اللّه معللة بالأغراض وقد سبق الكلام فيه.


الصفحة التالية
Icon