مفاتيح الغيب، ج ٢١، ص : ٤٣٤
معلوم بالتواتر وهو أنه مع بعده عن زينة الدنيا واحترازه عن التكلفات والتهويلات ساس الشرق والغرب وقلب الممالك والدول لو نظرت في كتب التواريخ علمت أنه لم يتفق لأحد من أول عهد آدم إلى الآن ما تيسر له فإنه مع غاية بعده عن التكلفات كيف قدر على تلك السياسات، ولا شك أن هذا من أعظم الكرامات. وأما عثمان رضي اللّه عنه فروى أنس قال : سرت في الطريق فرفعت عيني إلى امرأة ثم دخلت على عثمان فقال : ما لي أراكم تدخلون علي وآثار الزنا ظاهرة عليكم؟ فقلت : أجاء الوحي بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال لا ولكن فراسة صادقة.
الثاني : أنه لما طعن بالسيف فأول قطرة من دمه سقطت وقعت على المصحف على قوله تعالى : فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. [البقرة : ١٣٧] الثالث : أن جهجاها الغفاري انتزع العصا من يد عثمان وكسرها على ركبته فوقعت الأكلة في ركبته. وأما علي كرم اللّه وجهه
فيروي أن واحدا من محبيه سرق وكان عبدا أسود فأتى به إلى علي فقال له : أسرقت؟ قال نعم. فقطع يده فانصرف من عند علي عليه السلام فلقيه سلمان الفارسي وابن الكرا، فقال ابن الكرا : من قطع يدك فقال أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وختن الرسول وزوج البتول فقال قطع يدك وتمدحه؟ فقال : ولم لا أمدحه وقد قطع يدي بحق وخلصني من النار! فسمع سلمان ذلك فأخبر به عليا فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل ودعا بدعوات فسمعنا صوتا من السماء ارفع / الرداء عن اليد فرفعناه فإذا اليد قد برأت بإذن اللّه تعالى وجميل صنعه.
أما سائر الصحابة فأحوالهم في هذا الباب كثيرة فنذكر منها شيئا قليلا. الأول : روى محمد بن المنكدر عن سفينة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في خيسة فيها أسد فخرج الأسد إلي يريدني فقلت : يا أبا الحرث أنا مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فتقدم ودلني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعني ورجع. الثاني : روى ثابت عن أنس أن أسيد بن حضير ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في حاجة لهما حتى ذهب من الليل زمان ثم خرجا من عنده وكانت الليلة شديدة الظلمة وفي يد كل واحد منهما عصا فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها فلما انفرق بينهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى في ضوئها حتى بلغ منزله. الثالث : قالوا لخالد بن الوليد إن في عسكرك من يشرب الخمر فركب فرسه ليلة فطاف بالعسكر فلقي رجلا على فرس ومعه زق خمر، فقال ما هذا؟ قال : خل، فقال خالد : اللهم اجعله خلا. فذهب الرجل إلى أصحابه فقال : أتيتكم بخمر ما شربت العرب مثلها! فلما فتحوا فإذا هو خل فقالوا : واللّه ما جئتنا إلا بخل؟ فقال هذا واللّه دعاء خالد بن الوليد. الرابع : الواقعة المشهورة وهي أن خالد بن الوليد أكل كفا من السم على اسم اللّه وما ضره. الخامس : روي أن ابن عمر كان في بعض أسفاره فلقي جماعة وقفوا على الطريق من خوف السبع فطرد السبع من طريقهم ثم قال : إنما يسلط على ابن آدم ما يخافه ولو أنه لم يخف غير اللّه لما سلط عليه شيء. السادس :
روي أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي في غزاة فحال بينهم وبين المطلوب قطعة من البحر فدعا باسم اللّه الأعظم ومشوا على الماء.
وفي كتب الصوفية من هذا الباب روايات متجاوزة عن الحد والحصر فمن أرادها طالعها. وأما الدلائل العقلية القطعية على جواز الكرامات فمن وجوه :
الحجة الأولى : أن العبد ولي اللّه قال اللّه تعالى : أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس : ٦٢] والرب ولي العبد قال تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة : ٢٥٧] وقال : وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف : ١٩٦] وقال : إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [المائدة : ٥٥] وقال : أَنْتَ مَوْلانا


الصفحة التالية
Icon